العودة الآمنة.. بعيداً عن العاطفة

بكل صراحة وشفافية نقول إن ما نقرأه أو نسمعه من إصرار بعض المؤمنين حفظهم الله للدفع باتجاه فتح المساجد والحسينيات دون مبرر مقنع يجانب الصواب والواقع والمنطق مع الاحترام للجميع، وهو رأي يرد عليه من جوانب عدة وبعيداً عن العاطفة والرغبة الأكيدة من عموم المؤمنين الذين يتوقون لعودة صلاة الجماعة كما عودة المآتم والحسينيات وأيضاً المجالس العوائدية الخاصة، والتي يحضرها كبار السن في الغالب الأعم وهو الأمر الأخطر هنا.

إلى هذه اللحظة التي نعيشها لم يتوصل المختصون إلى ما من شأنه كبح جماح هذه الجائحة التي لا تزال تضرب بضراوة أينما حلت ودون تمييز، وقد وقف علماء الطب والفايروسات حائرين وعاجزين عن إيجاد حل ودواء شاف لها، فضلاً عن افتقادهم القدرة على دحرها أو إيقافها، ولا حتى كيفية إصابتها الناس أو انتقالها لهم والذي يتم بسهولة وغفلة.

ما يتم إقراره من احترازات هي اجتهادات واقتراحات مهمة بلا شك لعلها تصيب وتساعد في الحد من انتشار الوباء وعدوانيته وازدياد وتيرته بين فترة وأخرى، والدليل الأرقام المتفاوتة بين الهبوط والصعود المخيف في أغلب الدول الموبوءة.

في وطننا المملكة العربية السعودية كما في أوطان الكرة الأرضية يعمل المختصون بنفس البروتوكولات، والجهات المسؤولة تظهر علينا يومياً بتوجيهات ومحاذير من أجل اتخاذ الاحتياطات اللازمة تفادياً للإصابة، ولكن للأسف يوجد من لا يكترث ولا يهتم أصلاً وكأن الأمر لا يعنيه أو أنها مجرد إنفلونزا عادية وتنتهي، بل يظن بعضهم أن باستطاعته التغلب على المرض بنفسه، وكأنه لا يتابع إحصائية المصابين والوفيات وبالذات الأعمار الشابة والمتوسطة الغالبة.

أي مساجد ومآتم نريد فتحها أيها الأعزاء، وما هي الضمانة عند من ينادي بذلك لتفادي الإصابة وما هو أبعد من الإصابة إذا كان الكثير أصلاً لا يعبأون بتعاليم الجهات المختصة ولا بعقوباتها، فهل يعقل أن يهتموا بتعاليم جهات مأمونة العواقب، ثم كيف سنتحكم بأعداد الراغبين في الصلاة، أو الزاحفين للمآتم خاصة في شهر المحرم ومناسبة عاشوراء والذي لا نجد في بعض حسينياتنا موطأ قدم للجلوس، والعدد المحدد الآن هو خمسون شخصاً للتجمعات الكبيرة، فهل يا ترى يطرد الناس أو يمنع دخولهم، أو تجعل الصلاة مثلاً بالدور كل خمسين يصلون ويأتي بعدهم خمسون وكأننا في صلاة الخوف وهو ما لا يستقيم أيضاً مع الوضع، والحال ينطبق على الحسينيات أيضاً وهي أكثر أعداداً وأطول فسحة في الوقت.

لنكن واقعيين، وكما ذكرنا أننا نتوق جميعاً للعودة ونتمناها قريبة، ولكن العودة الآمنة وليست العودة الحذرة التي لا يعول عليها في مثل هذه المناسبات المكتظة بالناس، بعيداً عن الكلمات العاطفية والمهيجة للمشاعر الدينية والتعلق الروحي وبحجة الحفاظ على الشعائر وكأن الناس لا يقومون بواجباتهم أو مستحباتهم إلا من خلال الحضور الجمعي والذي من أساسياته الطمأنينة والسلام والأمان وليس التهور والمجازفة غير المدروسة، وكأن الناس سترتكب حراماً أو حتى مكروهاً إن لم تحضر بل العكس هو المطلب وليس قذف أنفسهم وسط المهالك.

ليتفضل علينا هؤلاء المحترمون الذين يحضون على الحضور الجماعي بتقديم الضمانات التي تقي وتكفل حضور الجميع دون استثناء وليس الخمسين شخصاً فقط  حسب ما حددت الجهة المسؤولة، وأن يتكفلوا بالتزام الناس وتقيدهم بالنظام، وأن يتولوها ويضبطوها هم بأنفسهم، وأولاً وأخيراً ضمان عدم إصابة أحد، والجميع يعلم أن هذا الوباء لا يفرق بين صغير ولا كبير، ولن يمتنع عن إصابة من يتواجد في المساجد أو الحسينيات وقد ثبت لنا ذلك عياناً.

كلام لا يستقيم، واقتراحات ونداءات غير محسوبة وهي صادرة عن عاطفة صرفة تفتقد للواقعية وتجافي الحقيقة التي تقول بأن علينا التزام البقاء في منازلنا حتى مع رفع الحظر إذا لم نكن مضطرين للخروج سواء لكسب الرزق والعمل أو لقضاء حاجات المعيشة الضرورية جداً أو الأمور الطارئة، وهذا ما يتماهى مع مسنون الأحاديث ويتوافق مع ما تصدره الدولة، وليس له علاقة بالاقتصاد ولا الضرورات المجتمعية الملحة.

ولقد أصبحت الوسائل متعددة للوصول إلى ما نريد سواء إحياء مناسبات آل البيت “ع” أو خلافها ومواقع التواصل الإلكترونية أغنت عن الحضور  وأثبتت جدواها كثيراً، ومعظم خطباء المنابر مرتاحون لذلك ويقدمون ليل نهار مجالس القراءة على اختلافها والحضور كثيف، نعم ينقصنا أن يكون حضورنا وجودياً لا وجدانياً فقط، ولكن من أجل الحفاظ على هذا الوجود وروحه علينا التضحية قليلاً ببعض ما نقوم به من شعائر أو ممارسات دينية وسوف تعود إن شاء الله تعالى وبفضله ورحمته.

ما نقترحه هنا بدل ذلك أن نتواجد في المساجد قدر ما نستطيع وهي مفتوحة الآن للصلاة ولو فرادى وبالتباعد وبالعدد المسموح، ويتقدمنا رجال الدين الأفاضل، ونتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بأدعيتنا ومناجاتنا ورجائنا من الله عز وجل بأن يكشف هذه الغمة عن الناس والأرض وأن تعود عجلة الحياة كما كانت، والأرض مخضرة مزهرة بأهلها بسلام وأمان، فهذا الانقطاع لله هو المطلوب وهو الدواء الشافي والذي لن يتفضل به غيره سبحانه، فكما هو جلت عظمته قدر علينا هذه الجائحة لأسباب هو سبحانه الأعلم بها، فهو المقدر والقادر أيضاً على أن ينزل على عباده الشفاء بعد أن عجز الطب والعلم كله عن إيجاده والقضاء على هذا الوباء الذي خنقنا.



error: المحتوي محمي