الأخ
حقوقه
سأتحدث في هذه الخاطرة عن مفردة أوقفتني عند قراءتي لبعض أرباب المقاتل عن الإمام الحسين صلوات الله عليه في واقعة الطف عند مقتل أبي الفضل العباس عليه السلام قال كلمة تهتز لها المشاعر قال: ((الآن انكسر ظهري)).
وكذلك بالنسبة إلى أبي الفضل العباس عليه السلام عندما وقع صريعا على الرمضاء قال: ((أخي حسين)).
وما هو مروي من سيرة العباس عليه السلام إنه لم يناد الإمام الحسين عليه السلام إلا بكلمة ((سيدي ومولاي أو يا ابن أمير المؤمنين)).
من المفردتين السابقتين نستمد منهما هذه الخاطرة بالحديث عن حق الأخ، فلولا أهمية موقع الأخوة لما نطق الإمام الحسين عليه السلام بها وكذلك أبو الفضل العباس عليهما السلام.
ورد عن الإمام السجاد صلوات الله عليه في رسالته الشريفة الموسومة برسالة الحقوق في حق الاخ أنه قال:
(وَأَمّا حَقُّ أَخِيكَ فَتَعْلَمَ أَنّهُ يَدُكَ الَّتِي تَبسُطُهَا، وَظَهْرُكَ الَّذِي تَلْتَجِئُ إلَيهِ، وَعِزُّكَ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيهِ، وَقُوَّتُكَ الَّتِي تَصُولُ بهَا، فَلا تَتَّخِذْهُ سِلاحًا علَى مَعصيةِ اللَّهِ ولا عُدَّةً لِلظُّلْمِ بحَقِّ اللَّهِ، ولا تَدَعْ نُصْرتَهُ عَلَى نفْسِهِ وَمَعُونتَه عَلَى عَدُوِّهِ وَالْحَوْلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَيَاطينهِ وتَأْديَة النَّصِيحَةِ إلَيهِ والإقبَال عَلَيْهِ فِي اللَّهِ فَإنْ انقَادَ لِرَبهِ وَأَحْسَنَ الإجَابَةَ لَهُ وَإلاّ فَلْيَكُنِ اللهُ آثرَ عِنْدَكَ وَأَكْرَمَ عَلَيْكَ مِنْهُ).
ذكر لنا الإمام صلوات الله عليه عدة حقوق للأخ وما ذلك إلا لعظمة مكانته.
معرفة مكانة الأخ وأهميته وعدم الاستعانة بالأخ على معصية الله سبحانه وتعالى وعدم الاستعانة بالأخ على ظلم الناس ونصرة الأخ على نفسه الأمارة بالسوء ونصرة الأخ على شياطين الإنس والجن وتأدية النصيحة إلى الأخ والإقبال على الأخ قربة إلى الله سبحانه وتعالى.
قسموا الأخوة إلى قسمين:
القسم الاول:
الإخوة النسبية وهو من تشترك معه في الأب أو الأم أو تشترك بهما معا وهو الشقيق وجعلت الشريعة المقدسة الإخوة بالرضاعة كالأخوة النسبية في كثير من الأحكام الشرعية
القسم الثاني:
الأخوة في الدين وهو من تشترك معه في الدين والإيمان حيث جعل له حقوق يصان بها.
الأخ شقيقا كان أم غير شقيق هو تِرْب أخيه حيث منبتهما ودمهما واحد، فالأخ هو عضد المرء وساعده وعندما نقول إن منبتهما ودمهما واحد يعني أنهما اتحدا اتحاداً تاماً حتى أصبحا كالواحد فيَدُ أحدهما يدُ الآخر وقوة أحدهما قوة الآخر وعزّ أحدهما عزّ الآخر كما وصفه زين العابدين وسيد الساجدين صلوات الله عليه وصفه بأنه اليد التي تفترش لأخيه مبسوطة إليه لتكون موضع راحة له عند احتياجها من شدة إنفاقها له تكون في تصرفه.
الأخ بمنزلة الظهر الذي هو العمود والسند، حيث يستند عليه في الشدائد والمحن، ولذلك يقال فلان ظهر فلان إذا كان يتقوى به ويلجأ في الشدائد إليه وقوته التي يدافع بها عدوه ولذلك نلحظ ما ورد عن الإمام الحسين عليه السلام في واقعة الطف الفجيعة عند مصرع العباس عليه السلام قال: ((الآن انكسر ظهري)).
حيث القوة التي كان يمثلها العباس صلوات الله عليه لأنه الناصر.
نعم هذه هي أهمية الأخ ومكانته التي ينبغي أن يمثلها المرء تمثيلاً حقيقياً فالعباس عليه السلام كان مصداقاً جلياً لذلك.
روي أن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام قال لأخيه عقيل: ((اختر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها لتلد لي غلاماً فارساً)).
وفي الأسرار للفاضل عند ذكر شهادة العباس عليه السلام: قيل أتى زهير إلى عبد الله بن جعفر بن عقيل قبل ان يقتل فقال يا أخي ناولني الراية فقال له عبد الله أو في قصور عن حملها قال لا ولكن لي بها حاجة قال فدفعها إليه واخذها زهير واتى فجاء إلى العباس بن علي وقال يا بن أمير المؤمنين أريد ان أحدثك بحديث وعيته فقال حدث فقد حلى وقت الحديث:
حدث ولا حرج عليك فإنما * ندري لنا متواتر الإسناد، فقال اعلم يا أبا الفضل أن أباك أمير المؤمنين لما أراد أن يتزوج أم البنين بعث إلى أخيه عقيل وكان عارفاً بأنساب العرب فقال عليه السلام: يا أخي أريد منك أن تخطب لي امرأة من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة لكي أصيب منها ولداً شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا – وأشار إلى الحسين – ليواسيه في طف كربلا وقد ادخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر عن حلائل أخيك وعن أخواتك، قال فارتعد العباس وتمطى في ركابه حتى قطعه وقال يا زهير تشجعني في مثل هذا اليوم والله لأرينك شيئا ما رأيته قط، قال فهمز جواده نحو القوم حتى توسط الميدان وساق الحديث إلى آخر مقتل العباس عليه السلام.
وهكذا نجد النبي موسى عليه السلام، حيث عبء الرسالة وعظمتها وشدتها دعا ربه ليجعل له وزيراً من أهله هارون أخاه ودعاه أن يشدّ به أزره ويكون شريكا له في أمره فاستجاب دعوته.
قال تعالى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}.
كذلك استجاب إلى أفضل خلقه الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، حيث شدّ أزره بأخيه وابن عمه أمير المؤمنين صلوات الله عليه عندما قال له “أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”.
روى البخاري في صحيحه بسنده عن سعد قال: سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن وقاص عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعدا فلقيت سعدا فحدثته بما حدثني عامر فقال: أنا سمعته فقلت: أنت سمعته فوضع إصبعيه على أذنيه فقال: نعم وإلا فاستكتا.
يقول ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ١٠٩٧ عن هذا الحديث: هو من أثبت الأخبار وأصحّها.
وقال: وطرق حديث سعد بن أبي وقاص كثيرة جدّاً. وذكر عدّة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث ثمّ قال: وجماعة يطول ذكرهم.
أولت الشريعة المقدسة اهتماماً بالغاً في الأخوة لما لها من مكانة عظيمة، ولذلك نجدها وسعت مفهوم الأخوة بعد أن كانت في دائرة ضيقة بين الأشقاء ومن الرضاع جعلتها بين المؤمنين وجعلت لهم حقوقاً يصانون بها لتقوى سواعدهم وشوكتهم ويكونوا كالجسد الواحد، حيث هي روح الإيمان النابض ولباب المشاعر والأحاسيس التي يكنها المؤمن لإخوانه حتى إنه ليحيا بهم ويحيا لهم.
قال تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده وأرواحهما من روح واحدة)).
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ((مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)).
فجعلهم كالأغصان التي تنبثق من دوحة واحدة بل وجعلهم كالروح الواحدة التي حلّت في أجسام متعددة.
وأثرت الشريعة الغراء بتوصياتها الحثيثة في بيان حقوق المؤمنين على بعضهم البعض ورفع الأثرة الغالبة التي هي آفة الإنسان لما لها من آثار سيئة على الفرد والمجتمع، حيث تمحق الخيرات فحاربها بهذه الأخوة العادلة وبيّنت للإنسان أن هذه الحياة ليست للإنسان وحده حيث يوجد في هذه الحياة من يعيش معه ومثله كما يذكر حقوقه عليهم فليذكر حقوق من يعيش معهم.
حقوقه:
عدم قبول مضرته وظلمه وأن تكره له هذه المضرة وإن وقعت ينبغي التبادر إلى دفعها وإن مسه ما يتأذى منه ينبغي مشاركته آلامه وإشعاره بالحزن على ما حلّ به وأن يرفع ذلك عنه إن استطاع.
روي عن محمد بن مسلم أنه قال: أتاني رجل من أهل الجبل فدخلت معه على أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام فقال له عند الوداع: أوصني فقال: (أوصيك بتقوى الله وبرّ أخيك المسلم وأحب له ما تحبّ لنفسك واكره له ما تكره لنفسك، وإن سألك فأعطه، فوازره وأكرمه ولاطفه، فإنّه منك وأنت منه).
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إن المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدة فيخلفه).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يثلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة).
ومن حق الأخوة كذلك أن يشعره بأن إخوانه في الإيمان ظهر له في السراء والضراء وأن قوته لا تتحرك في الحياة وحدها بل إن قوى المؤمنين تساندها وتشد أزرها.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا).
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.