نحن أمةٌ نائمة وأفرادها نائمون.
نحن أمةٌ غافلة وأفرادها غافلون.
وأن تنهض الامة من نومها وسباتها صعبٌ لكنه غير مستحيل، ولكن أن ينهض فردٌ من أفرادها فهذا ممكن وسهلٌ وميسور، فالأنبياء وأوصياؤهم عليهم السلام أفراد، ونبينا الأكرم وأوصياؤه عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام أفراد، ومولاتنا خديجة وابنتها الصديقة الكبرى فاطمة عليهم السلام أفراد، والعلماء والعظماء في التاريخ أفراد.
قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}.
إبراهيم عليه السلام فردٌ ولكن كان يعمل عمل أمةٍ بأكملها، وأنا وأنت أفراد وكل واحدٍ منا بإمكانه أن يكون أمة، وأن يكون عالماً، وأن يكون عظيماً، وأن يكون رقماً صعباً في التاريخ، والسبيل إلى ذلك سهلٌ ويسير فقط نحتاج إلى شيء واحد وقد أشار إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله: “ما هلك أمرؤ عرف قدره”.
وقد أثبتت الدراسات والتجارب ما أسسه وثبته أمير المؤمنين عليه السلام قبل ١٤٠٠ سنة، هذا هو السر وهذه هي الحلقة المفقودة في حياتنا، اعرف قدرك.
فقدرك وقيمتك عظيمة وأنت من يكتشف ذلك وليس الآخرين، ومن الأخطاء المميتة أنك تنتظر تقييمك من الآخرين، فالآخرون لا يعرفون ذاتك وبالتالي لا يعرفون قدرك وقيمتك.
ودعني أذكرك بما قد نسيته أو غفلت عنه، أذكرك بأنك خليفة الله في الارض وأنت من سجد له الملائكة وأن الكون بأسره سخره الله لك، فأنت ابن آدم وأنت وريثه وأنت امتداده، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ((رحم الله امرءاً عرف قدره)).
فأنت إذا عرفت قدرك فأنت مرحوم من قبل الله سبحانه، ومن رحمه الله فتحت أمامه أبواب الخير كلها ولذلك قال عليٌ عليه السلام:((الخير كله في من عرف قدر نفسه))، فمن يكتشف نفسه يدرك أن الحياة كم هي صغيرة وكم هي وضيعة وحقيرة، وقد بح صوت علي عليه السلام وهو ينادي ((دنياكم هذه أزهدٌ عندي من عفطة عنز)).
((ما لعلي ونعيم يفنى ولذة لا تبقى)) فمن كان عظيمٌ هل يهتم بصغائر الأمور ومكدرات الحياة؟ فإذا اكتشفت نفسك وعظمتها فلن تصرف طاقتك ووقتك وعمرك في حطام الدنيا وملذاتها، وعندئذ لن تكذب ولن تسرق ولن تستغيب ولن تنم ولن تسب ولن يصدر منك الكلمات البذيئة ولن تصادر حقوق الآخرين ولن تلهيك المظاهر ولن تضرب أولادك ولن تهين زوجتك، وسيكون شعارك التسامح والمحبة والبذل والعطاء والترفع عن الصغائر.
وستعيش سعيداً مطمئناً مرتاح البال، وإذا لم تكتشف نفسك وقدرك وقيمتك فستعيش الهموم والغموم والمشاكل حتى تموت بها.
فإن فقدنا شيئاً من الأمل في هذه الأمة واستفاقتها ونهضتها، فأملنا في أفرادها أن يستفيقوا من نومتهم وغفلتهم ويتفكروا في أنفسهم ويكتشفوها، فالوعي لدى الفرد هو الذي يؤدي بدورهِ إلى وعي الأمة، والتغير الفردي هو الذي يؤدي بدورهِ إلى تغيرها.