جلس حفيدي ذاتَ صباح يقلب كفي، فراعه ما رأى فيها من تجاعيد وخطوط وشقوق. نظر ثانيةً في يده، فرآها ناعمةً طرية، ثم أشار إلى وجهه ووجهي ليرى وجهًا موردًا وعينين براقتين، أما أنا فنظارتين فوق وجهٍ أجعد لوحته الشمس فرفع رأسه وكأنَّ في عينيه سؤال: لمَ كل هذه الخطوط؟
هي ليست خطوط، بل نياشين العمر!
كم عمرك إذًا يا جدو؟
أشرتُ له بأصابع كلتا يدي العشرة، عشرون، ثلاثون، وعددت حتى الستين.
اتسعت عيناه وتمتم: بس؟ وكل هذه النياشين في ست من العشرات فقط؟
نعم: ست عشرات فقط وليست ست أحقاب!
وقبل أن يغادرَ المشهد قلت له: لا تهزأ بي سوف تكون يداك مثل يدي ووجهك مثل وجهي يومًا ما، فالحياة بضاعة لا يكون معها ضمان على سلامتها.
يضيف بتعابير وجهه ما لا تضيفه الكلمات حينما لا يمل من اللعب. يجرجرني معه وأنا غير راغبٍ فلا يستمر اللعب إلا دقيقة أو دقيقتين يأخذ بعدها قطعةَ ورق يمسح حبات العرق التي تنساب فوق وجنتي سريعًا بين اللهثةِ والأخرى.
كم يقدرني ويعطف عليَّ هذا الطفل الصغير الآن! لكن هل يبقى هذا الكرم والعطف المتدفق لحين ما أحتاجه فعلًا؟ فقط وحدها السنين تكشف. في كلِّ الأحوال، صلوا أيها الأجداد والجدات لربكم وادعوه من أجل أن يديم لكم صحتكم وسلامتكم ولا تحتاجونَ أحدًا يعينكم، إلا الله، في سنواتِ شيخوختكم وضعفكم. فكلنا ولدنا ونتمنى أن نعيشَ أصحاءَ أقوياء دون علل، لكن سرعةَ المشيب والضعف تسبق سرعةَ القوة والنشاط أحيانًا.
حمدًا لله أنك أيها الصغير إذ لم تلحظ عرجتي في الرجلِ اليسرى عند صعودي الدرج هذا المساء مع أنها خلقت والرجل اليمنى في ساعةٍ واحدة. لا أدري لعلها تعاطفت وأشفقت على أذني اليسرى التي زرت الطبيبَ من أجلها قبل أسبوع!