من أنوار السيدة فاطمة المعصومة (ع)

في مدخلية مهمة للكشف عن جوانب العظمة والسمو الروحي والمعرفي في شخصية السيدة فاطمة المعصومة (ع)، لابد من تسليط الأضواء على الجو الإيماني والبيئة النورانية التي عاشت فيها بين يدي أطهر الناس، فذاك يبين ما كانت عليه من فضائل ومكارم أخلاق ورفعة فقهية ومعرفية قد استقتها من المنهل العذب لعلوم أهل البيت (ع)، وليس معنى ذلك إغفال معدنها الأصيل ومكنونها الذاتي النقي والقابل لتلقي تلك المعارف والقيم، ولكنها الأجواء التقوائية المحيطة بهذه الجوهرة المصونة، فحين ترى أباها في عطائه العبادي والعلمي والأخلاقي وهو راهب آل محمد (ص) يتضح سر ألقها ورفعتها، كما أن أمها السيدة نجمة (ع) كوكب زاهر في فضاء العفة والورع والفقاهة فبان الجناح الآخر لسمو شخصيتها، ولذا حظيت السيدة نجمة بشرف الاقتران بالإمام الكاظم والأبوة للإمام الرضا (ع)، فكانت السيدة المعصومة (ع) في كل يوم تتلقى من هذه المدرسة التربوية ما يعلي شأنها ومرتبتها، فحظيت بما يزينها من الفضائل والعلوم التي ازدانت بها شخصيتها، فمن الجوانب المشرقة في شخصيتها المتألقة تلك الطهارة النفسية الخالية من نوازع الأهواء، فانبرت في محراب الطاعة والعبادة (بيت النور) بين يدي خالقها تناجيه وتذكره مستأنسة بذلك، ولها بصيرة نورانية بحقائق الأمور وهذه الدنيا ومرحليتها المؤقتة وماهية الحياة الأخروية الخالدة، أكسبها ملكة المنعة عن الاقتراب من دوائر الخطايا ومخالفة الأوامر الإلهية حتى لقبت بالمعصومة، إذ من استقر في قلبه حب الله تعالى ومعرفة صفاته وانفتح على تجليات الخشية منه تعالى، كانت تلك المواضع للسخط الرباني حممًا نارية لا يقترب منها أبدًا، فحلاوة الطاعة إن سكنت نفساً رفعتها إلى علياء الطمأنينة والراحة والثبات.

و الرسالة الاجتماعية للسيدة المعصومة (ع) هي ما تحلت به من روح إنسانية تنفتح على آلام المحتاجين والمكروبين لتبلسمها وتخفف عنها، فقد كانت بيوت أهل بيت النبوة (ع) مأوى لكل معوز ومهموم فيلقى منهم ما يرفع عنه ثقل الحزن والأذى، والسيدة المعصومة ابنة ذاك الإمام العظيم الذي اشتهر بين الناس بمقولة: “ما افتقر من نال من صرر موسى، في إشارة إلى عطاء الإمام (ع) للمحتاجين، والسيدة المعصومة (ع) ورثت تلك الخصال الحميدة من أسرتها الكريمة فاصطبغت بها شخصيتها وتجلت في مواقفها.

ونحن اليوم في خضم الهجمة الثقافية و الفكرية على القيم الإسلامية الرفيعة وخصوصًا فيما يتعلق بالعفة والاحتشام، في أمس الحاجة إلى تقديم النماذج الرائعة التي تألقت في سماء الإنسانية والمعرفة مع الاحتفاظ بهيبة حجابها وصونها بعيدًا عن الارتماء في وحل الابتذال والميوعة، فما الذي يجنيه الشاب والفتاة من السقوط الأخلاقي غير التخلي عن كرامته وإنسانيته، فيرتمي في بهيميته الصرفة والحياة الشهوانية، ونحن أمام شخصية عظيمة يقتدي بها الشباب ليرتفعوا في فضاء الكرامة والعزة الإنسانية من خلال السير على نهجها المبارك.

فعلى مستوى العلاقة بالله عز وجل يعيش المرء مع سيرة السيدة المعصومة (ع) معية الله عز وجل والورع عن محارمه والخشية من الوقوع في براثن الخطايا، وفي بصيرتها ومعرفتها بحقيقة الدنيا الفانية قدمت (ع) النموذج الرائع في الأداء الوظيفي للإنسان كخليفة الله تعالى في هذه المعمورة، فهي خير مثال للزهد والتواضع والطهارة النفسية والتعفف عن الرذائل المسقطة من عين الخالق، مع منهجية في الحياة اتسمت بالعطاء العلمي والأخلاقي والروحي، فخطت للأجيال طريق الطموح والأمل والإرادة القوية من خلال تفعيل وتنشيط القدرات والمهارات على مختلف الأصعدة الحياتية.


error: المحتوي محمي