وصلنا إلى الجزء الخامس من سلسلة النقد الحرام وهو التفاعل الاجتماعي؛ ويعد الجزء الأخطر في عملية النقد والذي يتطلب ذكاءً اجتماعيًا وعاطفيًا لتحقيق الغرض منه؛ ففي الأجزاء السابقة تعرضنا إلى أربعة مفاهيم مهمة سوف نحتاجها لفهم النقد وكيفيته:
1. التفكير النقدي: وعَرِفنا أنه عملية تحليل لما هو حسنٌ وما هو سيئٌ في موضوع معين؛ سواء كان هذا الموضوع شخصًا أو سلوكًا أو شيئًا آخر من الأشياء كظاهرة اجتماعية أو عرف.
2. النقد: وعرفنا أنه عملية إظهار الجوانب السلبية والإيجابية الناتجة من التفكير النقدي إلى الآخر المتلقي سواء كان مستمعًا أو قارئًا.
3. التفاعل الشخصي إزاء ظرف ما: وبينت أن مقصودي من هذا الاصطلاح هو قصر أثر تلقي المؤثِر أو المعلومة كالنقد على دائرة الفرد المتلقي وتجنيب وصول الأثر إلى الناقد أو أيِّ شخص ثالث آخر.
وبهذا بقي علينا معرفة المراد من التفاعل الاجتماعي؛ ولكي أبسط المعنى منه دعنا نتأمل المثال التالي: يقوم مدير القسم الذي أعمل فيه في الشركة بنقد أدائي؛ ثم يدفعني هذا النقد للقيام بردة فعل غاضبة ومتسرعة حيث أرفض نقده جملة وتفصيلًا وأقوم بنقد المدير في أدائه الإداري وكفاءته كرد اعتبار لشخصي؛ في هذه الحالة أكون قد أخرجت أثر النقد من دائرتي الخاصة إلى شخص الناقد؛ وهذا تمامًا ما أطلق عليه التفاعل الاجتماعي، أي القيام بردة فعل لها أثر فيمن أو فيما حولي.
بعد أن ألممنا بالمفاهيم الأربعة نستطيع الآن أن نطرح السؤال التالي: ما هي الغاية المرتجاة من عملية النقد؟ لماذا نحن مفطورون على فعل النقد؟
مفطورون؟؟؟؟
نعم لا تتفاجأ!! نحن بالفعل مفطورون على عملية النقد؛ فالنقد هو وسيلة أساسية للتطور وبما أننا مفطورون على التطور؛ ولا أعتقد أنك تختلف معي في فطرية التطور فهذا يعني أن النقد هو كذلك أمر فطري؛ لذلك من يقول إني أرفض النقد فهو قطعًا غافل عن طبيعته!!
فعندما كنتَ رضيعًا تحاولُ أن تلفظَ أولَ كلمةٍ لك في الوجود؛ قامت أمك تارةً وأبوك تارةً أخرى بترديد ذلك اللفظ لك لكي تجيدَ لفظَه؛ وعندما قمتَ بحمل القلم بشكل مقلوب محاولًا أن تكتب أول كلمة لك على ورقتك البيضاء؛ قامت أختك بعاطفتها الباسمة بتعليمك الطريقة الصحيحة لكيفية حمل القلم؛ هذه التصرفات الفطرية التعليمية كلها تضمنت عمليات نقدية وظهرت على شكل تعامل تارة وعلى شكل توجيه لفظي تارة أخرى.
ولهذا فإن عملية النقد أساسًا هي أداة للتطوير والتعليم ووجودها ضروري لحياة الفرد والمجتمع؛ وإذا ما استُخدِمَتْ بطريقة صحيحة لهذا الغرض فإن النقد عندها سيكون نقدًا بنَّاءً يؤتي أُكُلَهُ كلَّ حين؛ أما إذا استُخدِمَ النقدُ بطريقة خاطئة فإن المردود سيكون عكسيًا سلبيًا ولن يوقف التطورَ فحسب بل سيساهم في هدم ما بُنِيَ؛ هذا إن لم يقم ببناءِ معاولَ هدم خطيرة في ذات الفرد وفي المجتمع.
إذن كيف نستطيع أن نمارس النقد بطريقة يصبح عندها بنَّاءً لا هدامًا؟؟؟
الجواب: في الجزء السادس من سلسلة النقد الحرام.