بعد سنوات من رحيلهم.. الجواهري وأبو ماضي ودرويش يعودون بحروفيات آل مرار

“وتحسبُ أنّكَ جرمٌ صغير وفيكَ انتطوى العالمُ الأكبر” رُبّما كانت مقولةُ الإمام علي عليه السلام وكتابتها لها بالخط الديواني طارقَ التوفيق والحظّ الجميل والإبداع لديها في مجال الخطّ العربي، فقد شعرت أنّها وأخيرًا قد برعت في الخطّ كما طمحت، فلم يكُن خطّها جميلًا ولافتًا في صغرها، ولكنّهُ كان خطًّا مرتبًا ومفهومًا لقارئه.

جذبَها الخط اليدوي منذُ الصغر، ذلك المُسمّى بصمة العقل على الورق، وأدهشتها انسيابية الحروف وتناسقها، ومن هنا نشأت تلك العلاقة الروحية بينها وبين القلم، فأصبحت علاقتها بهِ كعلاقة الروح بجسدها، هذهِ العلاقة التي أوصلتها لما لم تكن تتوقعه، فلم يكن يدور ببالها يومًا أن تجدَ المتفاعلين مع عباراتها وما تخطّهُ بيمينها، بل لم يدُرْ في خُلدِها مطلقًا أنّها وبعمر الـ21 عامًا سيُسبق اسمها بلقب الخطاطة أريج آل مرار، فكيف كانت البداية؟

التأمُّل
وُلِدت أريج رضي آل مرار في بلدة القديح، وفي طفولتها لم تكن ذات خطٍّ مميّزٍ وموعود، ولكنّها في المرحلة المتوسطة وَتحديدًا في الصف الثالث المتوسط نمَا لديها حُبّ التأمُّل في اللوحات الخطيّة، ومع الوقت تمكّنت أن تطلّع من خلال الإنترنت على فنّ الخط العربي وتصميم الكتابة، وأن تسكبَ ذاتها في قالب الحُسنِ والجمال لهذا العالم.

وتشبّعت بالنظر في فضاء الإنترنت أكثر بكثيرٍ من الواقع، فتعرّفت على أولئك الموهوبين لملكة الخَطّ ونقش الحروف، وتابعت مخطوطاتهم، واستمعت لنصائحهم وإرشاداتهم، وحضرت مقاطع الفيديو الخاصة بطرق إنشاء اللوحات وغير ذلك الكثير من عالم الحبر والقلم والأوراق.

تغذيةٌ بصرية
وعن وسائلها الخاصة التي تبقي خطواتها ثابتة في هذا المجال، تحدثت آل مرار لـ«القطيف اليوم»، قائلة: “لم أوفّق لحضور دوراتٍ تدريبية لهذا الفن العجيب، ولكنَّ التغذية البصرية الدائمة والحرص عليها، وزيارة مواقع البحث عبر الشبكة العنكبوتية أكسباني الكثير، ومازلتُ أسعى لإيجاد دورات تدريبية قريبة للمنطقة لخطاطين مُحترفين”.

وتابعت: “لقد جذبَني هذا الفنّ لممارسة هوايةٍ أخرى مزجتُها بفنّ الخطّ والكتابة، فافتتحتُ متجري الإلكتروني الخاص عبر قناة الإنستغرام لبيع مطليات بالأسماء، والطباعة الحرارية وغيرها، وأنا الآن على أعتاب الرسم الإلكتروني والرسم بالحروف”.

مُلهِمون
تستلهمُ آل مرار هذا الفنّ من خلال مُلهميها من الخطاطين المتخصصين الذين تتابعهم عربيًا ومحليًا، فعلى المستوى المحلي تتابع خطاطي القطيف والخبر والرياض والطائف وجدة، وعلى المستوى العربي تُتابع الخطاطين الماهرين من دولة البحرين والكويت والإمارات والعراق وتركيا.

الخطّ الديواني
وجرّبت الأنواع الكثيرة للخطوط، لكنّها لم تُكمِل مشوارها معهم، ودفعتها التجربةُ لمحاولةِ الكتابة في خطّ الثُلث والنسخ والرقعة، فقد أبقاها ميولها للحُب الأول لديها وهو الخطّ الديواني، وأصبحت تختارُ العبارات التي تعرِضُ من خلالها مهاراتها الخطيّة من خلال الاقتباسات من تويتر، وأحيانًا بمحاكاة الخطاطين، والعبارات والأقوال في المناسبات الدينية.

القصب
وتختارُ آل مرار أنواعًا معيّنة من الأقلام والأوراق، فهي تفضّل الخطّاط والقصب وقليلًا من الأقلام المعدنية “الشيفر”، أمّا من الأوراق فتستهويها المصقولة والورق المقهر.

وتوفّرُ لنفسها طقوسًا معينة للكتابة، يترأسُها الهدوء أولًا، وأن تكون بمفردها ثانيًا، أما الثالثة فتتحقق بإضاءةٍ صفراء اللون وخافتة قليلًا، وهي تقضي في كتابة عبارة قصيرة غالبًا مدة تتراوح ما بين الـ10 دقائق إلى 20 دقيقة.

وسائلُ التواصل
لم تعتقد آل مرار بأنّ تلك المقاطع القصيرة التي تنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في المناسبات المختلفة ستكونُ نافذتها التي فتحتها لتستقبل التشجيع الكبير والتفاعل والإعجاب من الجميع، بدايةً بعائلتِها وأصحابِها، ومرورًا بزميلاتها، وانتهاءً بالغرباء، حتى أصبح اسمها يُسبق بـالخطاطة أريج عندما يتم السؤال عنها، مما يجعلها تصرّ على أن تقدّم الكثير والكثير لعالمها الذي تهواه، وجميع من يهوونهُ معها.

وجوهٌ وحروف
تدهشك الكثير من اللوحات عند تصفّحك صفحة آل مرار، ولكنّ ما يدهشك أكثر هو لوحات الرسم بالحروف العربية، التي تروي آل مرار تجربتها فيها قائلة: “اشتركتُ في إحدى مسابقات الخط العربي بالمدرسة، فرسمت صورة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظهُ الله ورعاه بالحروف العربية، وبجانبهِ رسمة خريطة للملكة العربية السعودية بكلمات النشيد الوطني مع كلمة (موطني) بالحروف العربية، لكني لم أشأ أن تكون تلك اللوحة لوحتي الوحيدة أو تجربتي للرسم بالحروف، فبدأت باختيار تلك الشخصيات التي ستتزيّن بها حروفي، فكان الجواهري هو الشخصية الثانية، ثم رسمت جبران خليل جبران، ومحمود درويش وإيليا أبو ماضي لمشروع اللغة العربية التابع للمدرسة”.

وأضافت: “وبعدها قررتُ أن أشرّف قلمي فرسمتُ شخصية الإمام الحُسين عليه السلام، وتلتها لوحاتٌ أخرى رسمتُ فيها الوجوه التي أحبها وهي والدي  وزوجي”.

تجربةٌ صعبة
تواجهُ آل مرار بعض الصعوبات عند الرسم بالحروف، فالرسم بواسطة الأحرف العربية لابُدّ أن يكون بمقاس القلم السائل العادي، وعلى ورق كبير تقريبًا بمقاس A3، وقد تقع الأخطاء ولا بُدّ من الإعادة، وتستغرقُ اللوحة عادةً مدة تتراوح بين 4 إلى7 أيام وبمعدل 4 إلى 6 ساعات متفرقة، ومازالت تحاولُ ابتكار طريقةٍ ما لتطوير هذهِ الفكرة وهذا الإبداع.

سوف تمر
تنظر أريج للوحتها “سوف تمرُّ هذهِ العاصفة” بعين الرضا عنها وتعتبرها من أجمل لوحاتها، مع أنها تتلقّى دائمًا الكثير من التشجيع على لوحاتها في المناسبات الدينية.

وقد شاركت في مشاركات مجتمعية مستخدمة مهاراتها في الخطّ، فبحُكم نشرها للخط في جميع وسائل التواصل وبالأكثر في منصة تويتر،حدثّها أحد المسؤولين في فريق “منارات مشرقة”، وهو فريقٌ تطوعي في مدينة صفوى يسعى لعمل الخير في مختلف المجالات بقيادة قائدة الفريق ولاية آل فريد، بأنّ هنالك فرصة تطوعية لترميم الحديقة، ولأنّها لا تتمكن من الذهاب فقد قرّرت المشاركة بالمنزل، حيثُ أحضروا لها الألواح الخشبية للخطّ عليها، فعملت لوحات إرشادية وخطّت على كرسيين في حديقة العائلات بصفوى.

كلمةٌ وأثر
تتذكّر آل مرار كلماتٍ مختلفة من أشخاصٍ مختلفين أوصلتها لمكانها الآن في دربها لتحقيق الذات، وتبقى جملة (أنا فخور/ة بكِ) هي الأقوى أثرًا بداخلها من بين تلك الكلمات، وهي تحرصُ كذلك على الاحتفاظ بكتابات الأحبّة؛ ليبقى خطهم معها، فمشاعرُ الرسائل بخط اليد تبقى للأبد، كما تقول.

وعن طموحها الذي يعيش بداخلها للغد؛ قالت آل مرار لـ«القطيف اليوم» قائلةً: “أطمحُ أن تكون لديّ منصة إلكترونية لتعليم الخط بعدما أُتقنُهُ بالتأكيد، وأن أوفّرَ جميع وسائل تسهيل إتقان الخط، وأن اتفرّغ كذلك لخطوط أخرى، فلقد حققتُ تحويل خطّي إلى واقعٍ ملموس عبر المطليّات، ولكن مازال للحُلمِ بقيّة”.

       


error: المحتوي محمي