تشكل البوليمرات المستخدمة في صناعة البلاستيك المخصص لتعبئة مياه الشرب مخاطر على الصحة العامة، هذه المركبات بحسب أبحاث ودراسات موثقة يمكن أن تنتقل من بلاستيك القارورة إلى المياه المعبأة فيها، وهناك أنواع عديدة تستخدم في صناعة قوارير مياه الشرب، قد ينتج عن هجرة مكوناتها مخاطر على صحة الإنسان، ونسأل هل استخدام القوارير البلاستيكية ضارة؟ وإن كانت ضارة فأين مكمن الخطر؟
تعد سلامة مياه الشرب من الهموم الصحية التي يعاني منها العديد من بلدان العالم، خصوصاً وأن تلوث المياه يمكن أن يتسبب في كوراث لا يحمد عقباها.
لا شك أن المياه المعبأة في قوارير هي المفضلة للشرب، لكن إلى أي مدى يمكن الاطمئنان إلى هذه المياه؟
تطرقت في أكثر من مقالة سابقة نشرتها في هذا الموقع حول صلاحية مياه الشرب المعبأة وغير المعبأة، وقدمت إشارة موسعة إلى سلبيات وايجابيات هذين النوعين من المياه، ويسعدني اليوم أن ألقي الضوء على مساوئ المواد البلاستيكية المستخدمة في تعبأة مياه الشرب؛ والتي تتأثر بعوامل عدة كالحرارة، ومرور الزمن أو إطالة فترة التخزين وبالتالي تؤثر بدورها في صلاحية المياه، وأيضاً حديثنا يشمل فترة صلاحية مياه الشرب المعبأة والتي تم إدراجها في اللائحة الفنية الخليجية GSO 150 -2/ 2013 ولنا فيها رأي!!
• فترة صلاحية: فترة زمنية يحتفظ فبها المنتج بصفاته الأساسية ويظل حتى نهايتها مستساغاً ومقبولاً وصالحاً للاستهلاك الآدمي، وذلك تحت الظروف المحددة للتعبئة والنقل والتخزين.
الواقع أن التاريخ الصلاحية المدونة على القارورة يحدد صلاحية الماء، ولم يراع صلاحية مادة التعبئة التي تتأثر بمرور الزمن نتيجة تعرضها للظروف القاسية!!
فصلاحية مياه الشرب المعبأة في قوارير تبدأ من المنشأة، وتعتمد على كيفية معالجة المياه من تجميع وتطهير وترسيب وترشيح وتعقيم وتحلية، مروراً بنوع مادة التعبئة وخصائصها الكيميائية، وظروف النقل والتخزين والتداول، حتى وصولها إلى يد المستهلك، فبعدما أصبحت مياه الشرب المعبأة في القوارير خياراً شعبياً للمستهلك في كل أنحاء العالم، بات من الضروري المحافظة على سلامتها من أي تلف وتلوث يمكن أن تتعرض له من أي مصدر.
من مصادر تلوث مياه الشرب المعبأة، مادة التعبئة، التي قد تسبب تغير أو تأثير في الخصائص الطبيعية والكيميائية للمياه وحدوث تلوث فيها.
فالعبوات البلاستيكية في الغالب تصنع من مواد كيميائية منخفضة الجودة والتكلفة قدر الإمكان، مما يترتب على ذلك مشكلات صحية خطيرة.
هجرة البلاستيك للماء لا تحدث في الظروف العادية، فلا خوف منه إذا استخدم بطريقة صحيحة، رغم أننا مع التوجه الذي يطالب بتقليص استخدامه التدريجي والسريع، لكن المعطيات الحالية تؤكد خطره على الصحة، فالحرارة الشديدة في فصل الصيف، وفقد الأكسجين المنحل فيه “الأكسجنة” بإطالة فترة التخزين، ناهيك عن سلبيات النقل والتداول، لذا تلجأ بعض الشركات إلى تعبئة المياه في عبوات زجاجية أو بلاستيكية عالية الجودة، ومحكمة القفل من أجل تقديم مياه مأمونة وصالحة للشرب، من هذا يتضح مدى أهمية اختيار نوعيات جيدة لتعبئة مياه الشرب.
عادة ما تكون القوارير البلاستيكية مصنوعة من مادة عديد الإيثلين الترفثالاتي “PET” أو مصنعة من مادة بولي إيثلين منخفض الكثافة LDPE، وبالتالي فإن بقاء الماء فيها فترة طويلة بدون ضوابط صحية، ينتج عنها هجرة مكوناتها إلى مياه الشرب؛ لتأخذ رائحتها ومذاقها وسمومها؛ هذه السموم أو الملوثات لها القدرة على تعطيل الغدد الصماء، بل إن البعض حملها بمحمل أبعد من ذلك فقال طالما أن لها تأثيراً هرمونياً في النمو والإخصاب والتكاثر، قد تكون مسببة لعدد من أنواع السرطان.
تعتبر المواد التي تصنع منها العبوات البلاستيكية مواد كيميائية شديدة الثبات وعالية المقاومة غير خطرة بشكل عام في الظروف العادية، إلا أنها قد تسبب ضرراً لصحة الإنسان في حالة وجود بعض العوامل التي قد تؤثر في مكونات المياه، هذه المواد تدخل أجسامنا عن طريق الغذاء والدواء والماء لتحدث تلوثاً تراكمياً متزايداً مع الوقت لتصل إلى درجة التسمم أو إتلاف الأعضاء الداخلية للكائن الحي، ولأن جسم الإنسان منظومة على درجة عالية من التعقيد، فإن أجهزته المختلفة تستجيب بطرق مختلفة لما يدخل في جوفه سلباً أو إيجاباً، ويتوقف معدل الهجرة على درجة الحرارة المحيطة وطول فترة التخزين، فكلما زادت تلك العوامل زادت معدلات الهجرة.
إن النظرة العلمية وللوهلة الأولى تقول طالما أننا لم نعرّض البلاستيك للانحرافات الضارة، فإنه لن ينتج مواد سامة أو خطرة.
مرحلة التخزين من أهم المراحل التي يجب المحافظة فيها على مياه الشرب المعبأة، ويجب أن يكون مكان التخزين منخفض الحرارة وجيد التهوية، ويستحسن أن تكون درجة الحرارة اللازمة للتخزين بين 5 – 10 °م.
على الجانب الآخر، الخوف من محلات التجزئة قد لا تحسن حفظ المياه، وبعد فترة تصبح المياه غير صالحة للاستهلاك الآدمي قبل انتهاء فترة صلاحيتها، ونحن ما زلنا نستخدمها.
• يجب ألا تعرض مياه الشرب المعبأة عند بيعها أو تسويقها خارج محلات البيع، حيث يؤدي ذلك إلى تعريض مياه الشرب المعبأة إلى أشعة وحرارة الشمس وظروف الطقس الأخرى. مواصفة رقم GSO 1025 /2014
يعتبر الماء من أكثر الأوساط قابلية للتلوث، وقد لا يحتاج لفترة صلاحية كون الماء يخلو من المكونات المحببة للجراثيم مثل البروتينات أو السكريات التي تغير طعمه، وتسرع فساده، بينما العبوة البلاستيكية مادة كيميائية خطرة قد تلحق بمياه الشرب المعبأة فيها تغييراً واضحاً في خصائصها الحسية، وهذا يعني أن المياه أصبحت سامة أو ضارة.
• تاريخ التعبئة وتاريخ انتهاء الصلاحية باليوم والشهر والسنة بطريقة غير رمزية على ألا تزيد مدة صلاحية المياه الشرب المعبأة في عبوات بلاستيكية أو زجاجية أو عبوات مناسبة، على سنة واحدة من تاريخ الإنتاج، مواصفة رقم GSO 150 -2/ 2013
الواقع أن تاريخ الصلاحية المدونة على القارورة البلاستيكية لا يحدد صلاحية الماء إنما صلاحية القارورة نفسها، التي عادة ما تكون مصنوعة من مواد كيميائية تتفاعل مع الماء إذا بقي فيها بعد تاريخ الصلاحية.
فقد اعتاد الناس في الماضي على تناول المشروبات الغازية في قوارير زجاجية، والعصائر والمشروبات في عبوات معدنية، وبالطبع فإن العبوات الزجاجية هي الخيار الأكثر أماناً.
إذن، لا يصح الحكم على البلاستيك بصورة عامة بالخطورة أو الأمان فهو أنواع مختلفة ودرجة خطورته مرتبطة بالنوع، وهنا موضع الجدل، هذا النوع أو ذاك اتفق اثناء تصنيعه أن لا يتعرض لحرارة وتخزين طويل، فإنه قد يتسبب بإنتاج مركبات خطيرة وعالية السمية من ضمنها بنزين سداسي الكلور وغازات ومادة الديوكسين التي قد تكون مسببة لعدد من أنواع السرطان “لا سمح الله”.
ولتفادي أخطار حرارة فصل الصيف في مثل هذه الأيام، وسوء التخزين في بلادنا، نوصي الجهات التشريعية في الهيئة العامة للغذاء والدواء إلى خفض فترة صلاحية مياه الشرب المعبأة إلى نصف الفترة المدونة في المواصفة، من أجل ضبط كميات الإنتاج والتوزيع، ولضمان سلامة ومأمونية المياه من العوامل الضارة.
هل يقع اللوم في سوء استخدام قوارير مياه الشرب المعبأة على الجهات المعنية التشريعية والرقابية أم على أصحاب المنشآت، أم محلات التجزئة، أم المستهلك؟
الواجب يقتضي زيادة التعاون والتنسيق بين جميع الأطراف لتجنب الضرر الناجم من سوء الحفظ والتداول والاستخدام.
إن الحقيقة التي لا مناص منها هي أن الظروف التي تتعرض لها مياه الشرب المعبأة غير آمنة نتيجة المعالجات الكيميائية الضارة، ونوع مادة التعبئة، وطريقة التخزين والتداول، سببت لنا الكثير من الأخطار الصحية من كل جانب، ولا يخفف من ذلك إلا بالتعامل الصحيح مع الضوابط الصحية حفاظاً على صحة وسلامة المستهلك، وما تحقيقنا هذا إلا لنضع المستهلك على حقيقة الأمر وحجمه، والله أعلم.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.