الرجل.. الشاب.. الحاج.. المؤمن.. الطيب.. البشوش.. الخلوق.. المبتسم.. الكريم.. الشهم.. هكذا ودعنا هذا اليوم أخونا المؤمن علي بن أحمد آل إسماعيل (أبو جواد)، الكل عرفه بهكذا أوصاف وأكثر.
ينقل أحد أصدقائه: في يوم شديد الحرارة مثل هذا اليوم أو أشد ورياح حارة ومغبرة قرر الحاج المؤمن أبو جواد وصديقاه المشي مع المشاية لكن من أين يبدأون المشي وهم الآن في كربلاء!
فقرروا أن يذهبوا باتجاه قضاء طويريج ثم يصلون إلى كربلاء مع ملايين المشاية الآتين من جميع الاتجاهات قاصدين الحسين بن علي عليه السلام.
كان أبو جواد -كما ينقل هذا الأخ- كعادته مبتسماً متسامحاً فقال: “ما تقررونه فأنا معكم”.
بعد صلاة الفجر مباشرة بدأوا المسير وقبل أذان الظهر وصلوا لمنطقة تجمع المشاة في قضاء طويريج ثم عادوا راجعين لمعشوقهم الحسين عليه السلام، أذن الظهر وهم للتو قد بدأوا المسير للرجوع فدخلوا المسجد وصلوا الظهر والعصر وأبو جواد كعادته مبتسم فرح يضحك مع الجميع بابتسامته المعهودة.
يقول رفيق أبي جواد: “ما أن بدأنا المشي بعد صلاتي الظهر والعصر ومع حرارة الجو الشديدة جداً ومع الرياح الحارة المغبرة حتى بدأ أنفي ينزف دماً، وضعت المنديل على أنفي لأوقف الدم فامتلأ المنديل دماً”.
يكمل ويقول: “كنت أحاول ألا يلاحظ من معي ذلك لكن أبا جواد انتبه أن المناديل التي عندي نفدت فأعطاني عدة مناديل أخرى” وسألني وهو يبتسم: “كأنك تريدنا أن نركب السيارة؟”، وكان هناك على جانب الشارع عدة سيارات توصل المرضى أو من يتعب من المشي إلى داخل كربلاء مجانًا.
فقلت له: “لا، سنواصل المشي إلا إذا أنت تعبت” فقال: “أنا معكم ولكن أراك متغيرًا عن الصباح والتعب واضح عليك”، فقلت: “لا، نزيف خفيف بسبب الرياح الحارة والمغبرة وعما قليل يتوقف”.
الجميع يمشي في أجواء روحانية لا يعرفها إلا من ذاقها وجربها.
أبو جواد وما بين لحظة وأخرى ينظر إلي، وفجأة قال: “لازم نركب السيارة ونعود حالاً”، سألته: “لماذا يا أبا جواد؟ هل تعبت من المشي؟”
قال: “لا، ولكنك أنت المتعب والدم ينزف من أنفك باستمرار وأنت تضع المنديل عليه حتى لا يلاحظ أحد ذلك”.
يكمل صديق أبي جواد: “أصريت على أن نكمل المشي فوافق أبو جواد على شرط أن نستريح بعد كل نصف ساعة، كان طوال الطريق يراقبني ويعطيني المناديل والماء البارد إن وجد لإيقاف الدم، وصلنا الفندق في كربلاء مع أذان المغرب فلم نستطع الذهاب للحرم الحسيني لشدة الازدحام وللتعب الذي بدا واضحًا علينا”.
كنت مع أبي جواد في نفس الغرفة لذلك ما إن وصلنا الفندق وصلينا المغرب والعشاء واغتسلنا وباهتمامه لاحظ “أبو جواد” أن نزيف الدم زاد علي بل أصبح مستمراً لا يتوقف!
بنخوته المعهودة أصر أن يأخذني فوراً للمستشفى، وطوال الطريق إلى المستشفى وهو كعادته مبتسم ضاحك بل ويضحك من حوله حتى إنه قال لي: “لا تضحك حتى لا يزيد النزيف” فضحكت أكثر وقلت له: “من يستطيع أن يكون معك ولا يضحك”، فقال ضاحكاً: “إذن لن أتكلم”، ووضع يده على فمه مبتسماً.
وضعت يدك على فمك لتخفي ضحكتك في ذلك اليوم ولكن شاء القدر أن تبقى لنا ابتسامتك لهذا اليوم الحزين ونسأل الله أن يبقي لك هذه الابتسامة في قبرك وأن يفرحك ويسعدك كما فرحت أهلك ومحبيك.
رحمك الله يا أبا جواد رحمة الأبرار وجعل ابتسامتك في قبرك كما كانت في دنياك وحشرك مع الطيبين الطاهرين.