سمعنا مؤخراً برفض لاقتراح من أعضاء مجلس الشورى بتوحيد سلم رواتب القطاع الخاص، والذي نشكر الله أنه لم يمر حتى يظل الأمل قائماً في إصلاح الاقتصاد في ظل رؤية 2030.
لا يخفى على الكثير أن الاقتصاد قائم على توازن قوى العرض والطلب، وكلما أمكن ترك الاقتصاد يتحرك بحرية بناءً على توازن قوى العرض الطلب كلما كان أكثر إنتاجية وأكثر استفادة من الموارد المتاحة.
توحيد سلم القطاع الخاص يعني منع أي مرونة في التأقلم مع متغيرات الاقتصاد المؤثرة على العرض والطلب.
تقع أهمية هذه المرونة في توجيه الموارد في الاتجاه الصحيح الذي يحتاجه الاقتصاد، فمع افتراض أنه تم إقرار قانون الأراضي البيضاء فنزلت أسعار الأراضي السكنية وبالتالي أصبح بإمكان كثير من المواطنين بناء بيت العمر، بناءً على هذا المتغير أصبح هناك طلب عالٍ على بناء المنازل وبالتالي على منتجات البناء كالإسمنت والطابوق وغيرهما.
في الاقتصاد المرن يتوقع بناء على زيادة الطلب أن يزداد الاستثمار والتوظيف والتنافس في قطاع الإنشاءات، فتصبح الرواتب مغرية في هذا القطاع، فيتوجه الشباب أصحاب الكفاءات لقطاع الإنشاءات ويتم توظيف أفضل الكفاءات للخروج بأفضل المنتجات بأيدي أفضل الكفاءات، حيث سيسعى الشباب لبذل الجهد للحصول على أعلى الرواتب.
من ناحية أخرى، قد يقل الطلب على قطاع السياحة والطيران والفنادق مثلاً، لأن أموال الناس توجهت للبناء بدل السفر والسياحة، فأصبح عدد العاملين فيها أكثر من الحاجة لقلة الطلب فتقل الرواتب والحوافز، وبالتالي يبحث العاملون الطموحون عن وظائف أخرى تلبي طموحاتهم، والتي ستكون بطبيعة الحال في قطاع الإنشاءات، حيث الطلب المتزايد وبالتالي الرواتب المغرية والحوافز الكثيرة.
ويظل العدد القليل من العاملين الذين يلبون الطلب الحالي على قطاع السفر والسياحة لقلة الطلب عليه، وأيضاً سيقل الاستثمار فيه ويتوجه أصحاب الأموال لقطاع الإنشاءات.
من هذا المثال تتضح أهمية مرونة رواتب القطاع الخاص لتوجيه الموارد في الاتجاه الصحيح للحصول على أفضل المنتجات، وليس طبعاً هذا محصوراً بين القطاعات المختلفة بل حتى في القطاع الواحد التمايز في الرواتب من أهم عوامل المنافسة على الكفاءات والتي تنتهي بأعلى مستوى من الجودة والإنتاجية.
لو أعدنا هذا السيناريو بعد تطبيق اقتراح توحيد سلم الرواتب فما الذي سيحدث.
سيزداد الطلب على قطاع الإنشاءات، لن تستطيع الشركات الحصول على الكفاءات المطلوبة لعدم وجود الحافز لدى الشباب للبحث عن وظيفة أخرى بسبب توحيد الرواتب، وبالتالي سيكتفي قطاع الإنشاءات بأقل الموظفين كفاءة وبالتالي أقل جودة في المنتج وبأسعار مرتفعة لعدم وجود العقول التي تبدع في تقليل التكاليف مع الجودة، أي بعبارة أخرى تضييع الموارد وعدم استغلالها الاستغلال الكافي.
فمن الخاسر من هذا؟!
الخاسر هم الجميع الشركات والموظفين وأصحاب المنازل، وبالتالي الاقتصاد في النهاية.
هذا من حيث المبدأ، ناهيك عن السلم نفسه وماذا يمكن أن يتضمن من رفع تكاليف الإنتاج، حيث إنه ليس قائماً على العرض والطلب، بل قائم على قوة خارجية وضعت الرواتب من خارج دائرة العرض والطلب، وهذا فيه من الضرر ما لا يقل عن ما ذكرناه ولكن لا يتسع المجال لذكره في هذا المقال.