ما لم يقله التهامي في علي الأكبر

أحدث مقتل علي الأكبر (ع) في معركةِ كربلاء سنة ٦١ للهجرة صدعًا وجرحًا غائرًا في قلب أبيه الحسين (ع)، فلطالما سمعنا أن الشعراءَ رثوا عليًا هذا وقالوا على لسانِ أبيه الحسين البيتين التاليين:

 يا كوكبًا ما كانَ أقصرَ عمرَهُ
وكذا تكون كواكبُ الأسحارِ

ثم البيت التالي:
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّهُ
شتَّانَ بين جوارهِ وجِواري

لكن هذين البيتين هما من قصيدةٍ لأبي الحسن علي بن محمد التهامي المتوفى سنة ٤١٦ هجرية حين مات ولده صغيرًا فحزنَ عليه حزنًا شديدًا ورثاه في قصيدةٍ هي من عيون الشعر العربي، كان مطلعها:
حكمُ المنيَّةِ في البريَّةِ جارِ
مـا هـذه الدُّنيـا بـدارِ قــرارِ
بينا يُرى الإنسانُ فيها مُخبراً
حتَّى يُرى خبراً مـن الأَخـبـارِ

ويقال إنه لما توفي أبو الحسن رآه أحدُ الناس في المنام فقال له: “يا إمام ماذا فعلَ بك الله سبحانه وتعالى؟” قال أبو الحسن: “غفر لي بقولي في مرثيتي في ولدي الصغير:
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّهُ
شتَّانَ بين جِوارهِ وجِواري”.

لا شك أن التهامي سكب من الحزنِ ما لا يطاق في هذه القصيدة وهي من أرق قصائد الرثاء، ومع فارق المسافة والمرتبة بين الأبوين والولد إلا أن العاطفةَ الطبيعية الغزيرة التي أبداها الأبوان عند فقد ابنهما سمحت بهذه الاستعارة. لكن ما يضيفه النقال والخطباء الشيعة من أبيات الرثاء في علي الأكبر فهو ليس من القصيدة ولا يجاريها في الجودةِ والبلاغة مثل:
لا تأمـن الأيامَ يومًا بعد مـا
غدرت بعترةِ أحمد المختارِ
فَجعت حسينـًا بابنه من أشبهَ
المختارَ في خلق وفي أطوارِ
لما رآه مقطّع الأوصال ملقى
في الثرى يذري عليه الذّاري

في الواقع أنتجت معركة كربلاء الدامية شعرًا في الرثاء منذ القرن الإسلامي الأول اختص به – تقريبا – الشيعة من المسلمين، كتبوه وحفظوه وألقوه على المنابر وفي المجالس بعد حادثة كربلاء بفترةٍ قصيرة، ولو أن غيرهم للإنصاف من المسلمين وغير المسلمين أيضًا شاركهم فيه.

فمن الغريب أن أدباء الشيعة وشعراءهم استفادوا من شعر وأدب غيرهم في كتابة قصائدهم الخالدة في الرثاء والحماسة والمدح والتظلم والاحتجاج وغيرها مما قد يحتمله الشعر من مكون الإنسان العاطفي والعقلي، إلا أن شعرهم يبقى في الغالب محبوسًا وغير منتشرٍ بين غيرهم؟!


error: المحتوي محمي