من الجارودية.. «بنت اللومي» من وظيفة معيدة بمرتبة الشرف إلى ماكينة الخياطة

وضعت مكيه سلمان آل عبد الله شهادتها الجامعية ووظيفة معيدة في إحدى الجامعات، واستقرارها العائلي في كفتي ميزان، تارة ترجح كفة الشهادة بشهادة إضافية، وأخرى ترجح كفة العائلة بحبها للاستقرار، حتى وجدت نفسها في نهاية المطاف جامعية برتبة خياطة، بعد أن فاضت كفة الميزان العائلية ووقع الاختيار عليها.

بلاغة في اللغة
قادها عشقها للغة العربية وتحديدًا مادة البلاغة إلى الالتحاق بجامعة الملك فيصل عام 1426 هـ، أو ما كانت تعرف سابقًا بكلية الآداب بالدمام، وتخرجت عام 1430 هـ، لتحمل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.

معيدة مترددة
وتقدمت بعد تخرجها للتسجيل في جامعة تبوك كمعيدة، وتم قبولها، ومن المفترض أن يملأ الفرح قلب “مكيه”، كأي خريجة تجد فرصتها الأولى في وظيفة كتلك، إلا أن التردد حينها بدأ يحتل فؤادها شيئًا فشيء.

تقول لـ«القطيف اليوم»: “ترددت كثيرًا بسبب الغربة والرغبة في البقاء مع عائلتي، إذ إن هناك خيارًا آخر، وهو أن أكمل دراسة الماجستير في نفس الجامعة التي تخرجت فيها، وقدمت وتم قبولي، إلا أن الأقدار شاءت ألا أكمل دراستي للماجستير”.

نصف الدين والوظيفة
كتب الله لـ “آل عبد الله”، المنحدرة من بلدة الجارودية، أن تتزوج بعد تخرجها، إلا أن ذلك لم يقف حاجزًا بينها وبين رغبتها في شغل وظيفة تملأ بها وقتها وجيبها في آن واحد.

وبدأت في البحث عن عمل كمعلمة في المدارس الحكومية أو الأهلية، لا يهم، المهم أن تعثر على وظيفة تكتب لها الراحة.

تقول: “قدمت أوراقي في مدارس الظهران العالمية، وتم قبولها، وكنت في وقتها حاملًا بطفلي الأول، وفي أثناء المقابلة لاحظوا الحمل علي، فاعتذروا مني، كوني سوف ألد بعد بضعة أشهر، معللين رفضهم أن ولادتي ستضطرهم للبحث مرة أخرى عن معلمة جديدة”.

تمخض بالهواية.. وولادة
مارست “مكيه” هوايتها القديمة أثناء حملها، لتطرد شبح الملل الذي قد يتسرب إلى وقتها، وبين أشهر الحمل وانتظار الولادة، عادت مجددًا لـ”الخياطة”، محاولةً أن تخيط تجهيزات مولودها المنتظر بيديها.

تحكي: “كنت أمارس هوايتي وكان لدي حب التعلم لمفارش الأطفال، فكنت أخيط وأجرب، حتى اقترح علي زوجي أن آخذ دورة خياطة المفارش في مركز فاطمة آل طلاق بالقديح، وكنت وقتها حاملًا في الشهر السابع، وقد أنتجت لولدي عدة مفارش من صنع يدي”.

تحليق بعد تعب “الفراشة”
واجهت “آل عبد الله” في بدايتها بالخياطة مصاعب تعود للماكينة التي تستخدمها، فقد بدأت باستخدام ماكينة والدتها القديمة، والمعروفة عند الخياطات باسم “الفراشة”.

تتحدث عن ذلك بقولها: “كانت ماكينة الخياطة الخاصة بوالدتي متعبة بالنسبة لي؛ لذلك أسرعت لشراء ماكينة صناعية جديدة، وماكينة التنظيف “السرفلة”.

وتضيف: “رغبةً مني بتعلم المزيد في مجال الخياطة بحثت عن دورات خياطة “أون لاين”، لعدم تمكني من ترك زوجي وأولادي وحدهم في ساعات التدريب”.

وتمضي في حديثها: “توسعت في مجال الخياطة وبين فترة وأخرى أتعلم شيئًا جديدًا في عالم الخياطة الواسع؛ فوجدتني أنتج الحجابات الإسلامية وإحرامات الصلاة وإحرامات الحج، والفساتين والعباءات بعد أن أخذت دورة في خياطة العباءات “أون لاين” لدى المدربة ليلى الفيفي من منطقة جدة”.

أول وأول
تستعيد “مكيه” ذكريات القطعة الأولى التي أنتجتها بيديها، قائلةً: “كانت أول قطعة عبارة عن مفرش لابني، شعرت حينها بالفخر لأني جهزت لطفلي ملابس استقباله قبل أن يولد”، مضيفةً: “أيضًا أول قطعة قمت ببيعها كانت مفرشًا للأطفال”.

“بنت اللومي”
لم تدخر “آل عبد الله” تعلمها للخياطة لنفسها ولكن سعت إلى تحويلها إلى مشروع تجاري خاص، مما دعاها لفتح متجر إلكتروني، بعد أن أوقدت لها شرارة الفكرة ابنة أخت زوجها “إيمان عريني”، كونها صاحبة متجر إلكتروني أيضًا، ثم وثقته بكل يسر وسهولة في “معروف”.

وأعطت لمتجرها اسم “بنت اللومي”، وعن اختيار الاسم أوضحت: “يعود اسم المتجر إلى اسم الشهرة لعائلتي في منطقتنا، واللقب وراءه قصة قديمة ترجع لجدي – رحمه الله – فقد كان مزارعًا وكثر عنده إنتاج الليمون وبيعه، ثم رزقه الله الحج وقد كان مكلفًا، وعندما سئل من أين لك تكلفة الحج، قال: “من اللومي”، ومنذ ذلك الوقت لقبت عائلتنا ببيت اللومي”.

متجر من طوب
سكن الطموح نفس “بنت اللومي”، ففكرت في التوسع في مشروعها، خصوصًا بعد أن صدر القرار من الحكومة الرشيدة بالسعودة وتأنيث بعض الوظائف في عدد من المحلات، خصوصًا معارض العباءات.

تقول: “افتتحت معرضًا للعباءات في مدينة الأوجام، فقد كان يحز في خاطري أن أرى الأجنبي يقوم بأخذ القياسات على المرأة، فاتخذت أنا هذه الخطوة أولًا؛ حتى تتشجع فيما بعد بنات بلدي في تعلم خياطة العباءات وامتهانها”.

وتضيف: “كان هناك حيرة وتردد كبير في نفسي بين أن أعمل بتخصصي وبين أن أبقى بجانب عائلتي، فقد كان لدي طفلان صغيران لا أود تركهما ولما كبرا والتحقا بإحدى الروضات العالمية فكرت أن أبحث من جديد عن وظيفة، ولكن في نفس الوقت انتابني شعور بعدم الارتياح والرغبة بأن أكمل مشروع الخياطة فاقترحت على زوجي مشروع خياطة العباءات، وأيدني وشجعني ودعمني ماليًا ومعنويًا، ولله الحمد مشروعنا نجح وكبر”.

وتتابع: “مشروعي توسع أكثر فأكثر، وأصبح متنوعًا؛ يضم الخياطة على اختلافها، وبيع الأقمشة، وأدوات الخياطة، كما أنني ولله الحمد، أمتلك حاليًا ست مكائن خياطة؛ موزعة بين المعرض والمشغل، بالإضافة لماكينة سابعة لابنتي”.

ذراع وسند
تعتبر مكيه زوجها ذراعها اليمنى، تقول: “كان دائمًا يشجعني حتى أحبَ هذه المهنة، وتعلم بعض مهاراتها، ما ساعدني بالخياطة في فترة الحجر، وقام بعمل بعض ورشات الصيانة للمكائن الصناعية على حسابي في برنامج السناب شات، لتخصصه في مجال الميكانيكا البترولية”.

بلا حنين
وتختم حديثها قائلة: “حاليًا لا يراودني الحنين للتدريس، فكل شغفي وطموحي متجه نحو عالم الخياطة، وطموحي في ذلك العالم لا حد له، وأبسط آمالي أن أمتلك معرضًا كبيرًا يضم أحد أقسامه منتجات “بنت اللومي”، وقسم آخر يكون مشغلًا كبيرًا ويضم عددًا من الخياطات من بنات بلدنا، وقسم ثالث يكون مركزًا للتدريب على الخياطة ليخدم بنات حواء، ولا مانع من أن أطمح للتوسع في عدد الفروع”.



error: المحتوي محمي