المدخل:
قد تكلمتُ في المقالة الثانية من سلسلة “النقد الحرام” عن معنى النقد المتداول بين العامَّة من الناس وبين المعنى الأولى والأصح في نظري؛ وذكرت أنني سوف أتبنى المعنى الأولى وعرَّفتُه بأنه عملية تحليل موقف الناقد تجاه شيءٍ معين أو سلوكٍ معين إلى نوعين من الجوانب: جوانب مستحسنة وجوانب مُستساءة؛ وفي هذه المقالة الثالثة من السلسلة سوف أتعرَّض لمفهوم التفكير النقديِّ.
تعريف التفكير النقديِّ:
يمكن تعريف التفكير النقدي بأنه العملية التقييمية المستمرة للأشياء والسلوك بحيث ينتج عنها اتخاذ القرارات السلوكية أو الاعتقادية. فعندما تذهب مثلًا إلى سوق الأسماك لتشتري سمكًا طازجًا فعندها ستجري عمليات عقلية منطقية لتقرر كيف ستستطيع أن تشتري سمكا طازجا؛ وتبدأ باستعراض الخيارات حسب خبرتك ومعلوماتك؛ فمنها مثلًا أن تذهب إلى فلان الذي نصح به صديقك أو تقوم بطلب النصيحة من أي بائع هناك أو تقوم أنت بفحص السمك والتأكد من جودته؛ تقوم بعدها بتحليل كل خيار إلى نقاط إيجابية وسلبية حتى تستقر على الخيار صاحب النسبة العالية لتحقيق الهدف؛ هذه العملية هي ما نسميها بالتفكير النقدي؛ ويقابل هذه العملية الاتباع الأعمى بحيث تجد مثلًا أباك يذهب إلى فلان فتقرر أن تذهب إليه دون استقلالية أو تفكير نقدي. وقد أُطلِق على الشخص الذي لا يقوم باتخاذ القرارات المبنية على التحليل النقدي للقضية بأنه شخص إمَّعة؛ أيْ شخص يتبع شخصًا آخر في جميع قراراته؛ وهذا الوصف هو وصف ذميم بسبب دلالته على ضعف الشخصية أو عدم الثقة بالنفس؛ على العكس من الشخص المستقل والمرموق في المجتمع لتَمَيُّزِه في تفعيل التفكير النقدي واتخاذ القرارات المنطقية. إذن متى أحتاج إلى تفعيل التفكير النقدي إذا كان بمثل تلك الأهمية والتأثير وما علاقته بعملية النقد الصحيح والتي هي أساس الموضوع؟
أهمية التفكير النقدي وعلاقته بعملية النقد الصحيح:
التفكير النقدي يعد من الأسس الصحية في شخصية الإنسان والضرورية لضمان حياة أفضل بل حياة أأمَن وأقل خطرًا؛ فنحن من خلاله نستطيع أن نميز الاعتقاد الصحيح ومن ثم اتخاذ القرار الصحيح المؤدي إلى سلوك صحيح في الغالب؛ أي هو الأداة التي نستخدمها لسلوك أقصر الطرق إلى المصلحة؛ ولهذا فهو من الجوانب التي يجب أن تعار اهتمامًا كبيرًا في عملية التربية والتنشئة؛ وليس من سنوات المدرسة الأولى فقط بل ينبغي أن يكون من الأيام الأولى للطفل.
أما أهميته بالنسبة لعملية النقد الصحيح فليست ممّا ينبغي فحسب بل الحقيقة هي أن النقد الصحيح هو نتاج لعملية التفكير النقدي؛ إذ هو إظهار لحركة هذه العملية على شكل خطوات منطقية تحليلية قابلة للفهم إلى الآخر من خلال الإلقاء أو الكتابة؛ ومن هنا نستطيع أن نخلص إلى هذه النتيجة وهي “أنَّ من لا يملك مهارة التفكير النقدي لا يستطيع أن يقوم بعملية نقد صحيحة”.