أنثى الفيل عظم الله أجوركم في إنسانيتكم!

تناقل الناسُ عبر مواقع التواصل الاجتماعي قصتين حملتا رسالة واحدة في الحكم على جودة الضمير الإنساني وإبادة الرحمة في أوحال القسوة.

كانت القصة الأولى أشبه بتلك القصة التي رواها رسول الإنسانية صلى الله عليه وآله في تلك المرأة التي دخلت النار بسبب قطة حبستها دون طعام.

إنّها أنثى الفيل الحامل التي قُدّم لها فاكهة الأناناس الملغومة بمتفجرات لتأكلها وثم تهرع للنهر تطفئ النار التي اندلعت في جوفها وفي جنينها فيصرعهما الموت معاً.

‏والسؤال الذي يفرض نفسه هنا؛ هل الوحشية سلوك فطري في الإنسان عاد أدراجه؟

إن الرحمة الإنسانية ثقافة إسلامية وكان الرسول الكريم من عظماء دعاتها ومن أرباب هَجرة القسوة، حمل الرحمة كرسالة سماوية حتى قال الله تعالى في رسوله: “وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ”.

‏وفي مخزوننا الثقافي اقتباسات من الرحمة الإلهية ارتكزت بجذورها القويّة كأسلوب حضاري فأصبحت سلوكاً ديناميكياً يمارسه المسلم خاصة في حياته ومع الآخرين ولا عجب، فإسلامٌ اهتمّ رسوله بأمر الطير والنمل والقطط والكلاب -أجلكم الله – والمحافظة على البيئة معافاة من ظلم الإنسان لجميع الكائنات الحيّة ماذا عسى أن يعتنق أهله؟

يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله: “كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في سفَرٍ فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَّرةً معَها فرخانِ فأخَذنا فرخَيها فجاءت تعرِشُ فجاءَ النَّبيُّ فقالَ: مَن فجعَ هذِهِ بولدِها؟ ردُّوا ولدَها إليها”.

أما القصة الثانية فقد اكتسب صاحبها قدراً كبيراً من التعاطف بعد قتله خنقاً على يد شرطي أمن حتى أصبح له وجود شبحي عند قاتله يلاحقه في منامه.

إن اسم (جورج فلويد) كشف صراع المعتقد الغربي وعنصريته المتعجرفة في بني الإنسان، وأماط اللثام عن المساواة المزيفة التي تُقدّس المادية الصارمة.

ولعله عاد بنا للخلف قليلاً عندما صرّح ‫محمد عبده، مفتي الديار المصرية، منذ أكثر من مئة عام بقوله المشهور:‬ “رأيت في أوروبا إسلامًا بلا مسلمين”، ألا ليتك ماثل في أيامنا هذه أيها الشيخ الجليل!!!

إن المساواة من صنع الله والتمييز من صنع البشر، ولا تزال الرحمة قائمة ما دامت الكعبةُ شامخةً، إذ ليس لابن بيضاء على ابن سوداء سلطانٌ إلّا بالحق كما صرح بذلك الرسول الكريم.

لذلك كان البكاء على الهويّة الإنسانية وتعظيم الأجر فيها أمراً يراودني وأنا أسطر هذه الكلمات، لا أعلم كم نزح قلمي لمسافات بعيدة يقتنص فيها أسرار القسوة الإنسانية ولكنه عاد يحادثني بآلام البشرية في كل مكان و يُعدد أوصابها المختلفة.

وما أسلحة الدّمار الشامل إلّا من التمييز العنصريّ الذي يرى مستخدموها الناس حشرات يجوز إبادتهم!

وما النظر باحتقار وازدراء للضعفاء وأصحاب المهن البسيطة إلا لوثة فكرية مهدها التمييز العنصري وفتح لها الأبواب كي تكبر في المجتمعات المعقدة فكرياً.

فكلما تعقدت الحياة واختفت البساطة أصبحت حياة الإنسان مركبة يعلوها التمييز الطبقي العلني في مجتمع يضجّ بالمساجد ودور العبادة!

إن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده ففي الجانب الآخر آفاق جميلة تحمل جوهر السعادة، وتخرج نزعة الغطرسة من النفوس المريضة ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحراراً لا عبيداً.

إنا إنسان مثلي مثلك تماماً مهما اختلف لونك وطبقتك ونسبك لا يوجد إنسان من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية، وإذا لم تصدقني فلك نظرة خاطفة للقبور علّك تجد متسعاً من الوقت كي تُشيد لك بين القبور قصراً أنيقاً مختلفاً عن منازلهم ويليق بأموالك وسطوتك.

وكيف لا أختم حديثي بقصيدة إيليا أبو ماضي حينما ينشد بمزماره السحري قائلاً:
نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ
حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد
وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى
وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد
يا أَخي لا تَمِل بِوَجهِكَ عَنّي
ما أَنا فَحمَة وَلا أَنتَ فَرقَد


error: المحتوي محمي