سردية أدبية تُكتب للقطيف… وتتجاوز خارطتها

سردية أدبية امتزجت بعبق المكان، وذابت ملامحها بملامح القطيف، غير إنها تحفز الذاكرة الجمعية على الحنين للماضي في ذاكرة المستقبل، فهو يلامس القراء ليقفوا وقفة جادة مع نقطة التحول التي مروا بها حتى أصبحوا ماهم عليه اليوم، برؤية شاعر أوصل رسائله بمعانٍ يقع أثرها في الوجدان الإنساني.

“نداء على حافة الأبدية ” للشاعر هادي رسول، والذي اختار الانتماء مُخرجاً له، في وسيلة لتخليد القطيف بـ 30  وقفة تمازج فيها السرد والشعر، يحاورنا للإجابة عن تفاصيل إصداره الثالث:

نداء على حافة الأبدية.. هل استحضرت الاسم قبل الكتابة، أم فصول الكتاب هي ما فرضته؟ وما هي قصته؟
كان العنوان حاضرًا في ذهني انطلاقًا من الفكرة التي يقوم عليها بناء النصوص في الكتاب.. ورجّحته وآثرته على عدة عناوين أخرى اقترحتْها اللحظة الكتابية، حيث وجدتُهُ الأكثر عمقًا دلاليًا لنصوص الكتاب، التي تشكّل جميعها نسيجًا واحدًا، كان العنوان هو خيطها الدقيق والمتين في آن.

لم اخترت حيز المكان والزمان بأن يكون القطيف، ولم اخترت دار نشر ليست منها؟!
الكتاب سيرة زمان ومكان في سردية أدبية برؤية خاصة لمواضيع ذات صلة بالكاتب والأرض والإنسان والهوية، فكان لابد للزمان أن يتجلّى، وللمكان أن يتموضع في هذه السردية.

أما دار النشر، فمن الجيد جدًا للكاتب ألا يؤطر منجزه داخل إطارات محددة، ويبحث عما يحقق له رغبة انتشار المُنجز الإبداعي وفق ما يتطلّع إليه.

حينما يكتب هادي رسول عن القطيف، ألم يخش أن يحصر قراءه فيها؟!
القطيف حاضرة تاريخية عميقة الجذور بجميع مكوناتها الإنسانية والبيئية، والمكان في النص فضاء دلالي لأمكنة متشابهة ومتقاربة في تكوينها الجغرافي والبيئي والتاريخي والإنساني.
القطيف كُتب عنها كتحقيق تاريخي، وتجلّت كثيرًا في نصوص شعرائها، لكن الأعمال السردية الأدبية التي تذهب إلى القطيف كمكان لبيئتها السردية نادرة جدًا تكاد لا تُذكر.

حين نكتب عن المكان بتقنيات السرد الأدبي فإننا ننقله من حيزه الجغرافي والتاريخي إلى فضائه الكوني، وهذا ما يجب أن نعمل عليه ولا نخشاه.

وأنوّه بأنني تلقيت اتصالات من مناطق مختلفة في المملكة، أوجدت لها البيئة الحميمية في هذه السردية، رغبة شديدة لزيارة القطيف والتعرف عليها وعلى مكوّنها الإنساني والطبيعي عن قرب.
المكان في النص الأدبي يتجاوز حدوده، وهذا ما فعله روائيون عرب وعالميون بتوسيع حدود المكان باتساع جغرافية قارئهم، روائيون مثل حنا مينا وإبراهيم الكوني ونجيب محفوظ وميلان كونديرا وكارلوس زافون فيكتور هيجو ونيكوس كازنتزاكيس.. وغيرهم.

كيف امتزج الشعر مع السرد في الكتاب؟
تكويني شاعري، وحين اخترت الكتابة السردية لم أنفلت من اللغة الشاعرة، بل كان الشعر أداتي التي عوّلت عليها في بناء النصوص السردية، لذا لم يكن نافرًا تجاور السرد والشعر في عمل أدبي واحد، وكانا كلاهما نسيجًا واحدًا في رؤية واحدة متداخلة ومتقاطعة ومنسجمة إلى حد كبير في هذا العمل.

مواقف كثيرة بينتها شكلت هادي رسول ولا بد أنها أكثر مما أوردت، هل اخترتها بعناية؟
هي من اختارت نفسها لأن تتموضع في سيرة النصوص، ومن الطبيعي أن هناك ما لا يُذكر، وهناك ما هو محذوف، وهناك ما هو مؤجّل، لم يحن بعد وقتُ ذكره.

ابتدأت فصول الكتاب بالموت، واختتمت به، فهل كان ذلك مقصوداً؟!
الموت هو الثيم الأبرز في الكتاب، بدأ به وتخلله وانتهى به. لم يكن الموت في الكتاب هو الموت البيولوجي وحسب، إنما هناك رؤية للموت خارج البيولوجيا.. هناك أصناف أخرى من الموت حاول الكتاب أن يشير إليها بأدوات اللغة والتأملات الخاصة.

قد يكون الإنسان حيًا من الناحية البيولوجية ولكنه ميّت من الناحية الوجودية..

لن أتحدّث الآن عن الأشكال الأخرى للموت.. حيثُ سأدع للقارئ فرصة البحث عنها واستلهامها من نسيج هذه الرؤية السردية.

قراءاتك كيف وقع أثرها على الكتاب؟

من الطبيعي جدًا أن تنعكس قراءاتنا على ما نكتب.
ينعكس ذلك في القدرة على الصياغة والتعبير والبناء، وحسن اختيار الشواهد والقرائن، أستطيع القول بأنّ القراءة الجادة كتابة مؤجّلة.

البعد الفلسفي للكتابة، هل يرفع من قيمة الكتاب بنظرك؟
لابد من القيمة الفلسفية، فلكل إنسان فلسفته الخاصة، والقدرة البلاغية على صياغة هذه الفلسفة تمنح النص الأدبي وهجه الخاص ورؤيته العميقة وبصمته المتفردة.

نحن نكتب لأن لدينا رؤيتنا الخاصة للحياة والإنسان والوجود، فلذلك نلجأ للتعبير عن هذه الرؤية وفق مقتضى اللغة الأدبية وأدواتها الفنيّة شعرًا أو سردًا.

ما نصيحتك لمن يريد ولوج هذا العالم؟ وكيف ترى مستقبل الكتاب في المنطقة؟

الموهبة أولًا.. لا يمكن أن نقتحم تجربة الكتابة دون سلاح الموهبة، إن ُوجدت الموهبة فالقراءة الكثيفة للأعمال الإبداعية هي الداعم الأول لموهبة الكاتب، وعلى الموهوب أن يقرأ أكثر مما يكتب.

هل وجد هادي نفسه في السرد أم الشعر مع تجربة “نبوءة الطين” سابقًا؟
هادي رسول يكتشف نفسه في الشعر باستمرار، منذ الديوان الأول “نبوءة الطين” وهو يتحسس منابع الشعر في ذاته، ويستكشفهُ في جوهره، ويجس في روحه مواضع تدفقه.

التجربة تتطور، لذا جاء الشعر في التجربة الثانية لهادي رسول مشروعًا أدبيًا وهو مشروع مخط القلادة..

أما هادي رسول في نداء على حافة الأبدية فهو يتحسس الموهبة السردية، ويأمل أن يكون استطاع تحسسها بشكل مقنع يُمَكِّنهُ على الإيغال فيها، وتطوير أدواته من خلالها.

لكني سأقول: ليس المهم الشكل، المهم أن نذهب إلى الكتابة بشغف، والكتابة هي التي ستقترح علينا شكلها المستقبلي مع استمرار النضج المرحلي، فعملية النضج الإبداعي مرحلية تراكمية، والمراحل تختار طريقها وشكلها وجنسها الإبداعي.

 ماذا بعد “نداء على حافة الأبدية”؟
سؤال صعب، أتركه للزمن وللتجربة…


error: المحتوي محمي