هل يستطيع أي شخص نقد أي موضوع؟
سؤال جدلي بامتياز وعلى الأخص في مجتمعنا؛ فكثيرًا ما ينتقد زَيدٌ فكرةً لعَمرٍ؛ ثم تقوم قيامة فئة من الآخرين مستميتين حمايةً للقيم الأصيلة والعرف الرشيد؛ والفكاهة في الأمر أن نجد من ينتقدون النقد -بزعم عدم تخصص المنتقِد – وهم أنفسهم يقومون بذات النقد بلا تخصص؛ ولو أخذنا عينة منهم ووضعناها على المجهر لرأينا أنّ واحدهم يمارس النقد من أول دقيقة يستيقظ فيها من نومه وثباته وحتى آخر دقيقة له قبيل أنْ يخلد إليه مرة أخرى؛ فأول ما سيقوم به هو نقد وقت الدوام أو ضجيج الشارع وهذا طبعًا إذا سلمت أم الأولاد والأولاد منه؛ ثم عندما يمارس عمله سينتقد مديره وزميله ومنهج العمل وسياسة الشركة؛ وإذا ذهب إلى السوق سينتقد البلدية وسينتقد التجار ولن ننسى انتقاده الشديد لأخلاقيات الناس في طريقة قيادتهم للمركبة أثناء تنقله من هنا وهناك؛ وليس المهم هنا أن يعتلي هذا الفرد ازدواجي السلوك المنبر ويمارس النقد جهارًا صارخًا في الناس بأعلى ما تستطيعه حنجرته المثقلة بغصة الإحباط من عدم ارتقاء غيره إلى مستوى فهمه وثقافته؛ بل ما يكفيني هنا هو قيامه الفعلي بممارسة النقد بشكل دائم لا انقطاع له؛ ولا يعني تسليطي الضوء على فعله هذا أنني أنكره وأدعي خطأه، بل على العكس فهذه العملية صحية بامتياز وتنمّ عن أنه واعٍ وليس فاقدًا لوعيه وليس في غيبوبة تحنطه وتدفنه في أهرام الجيزة.
الآن دعنا نعود إلى السؤال الأول؛ هل يعني أننا باستعراضنا تناقض الفرد المعارض للنقد الحر قد أثبتنا أنه لا يوجد قيد على النقد ولكل مَن هبَّ ودبَّ أنْ ينتقد؟
إذا كان الجواب نعم! فهل من المقبول عقلانيًّا أن ينتقد معلمُ اللغة العربية مثلًا الطبيبَ في تشخيصه لشكوى صحية معينة؟!
وهنا وبهذا السؤال الأخير ستفضح الابتسامة انفجار البهجة في نفوس المعارضين للنقد الحر والذي كم صفعونا به مرارًا وتكرارًا على وجوهنا وعقولنا! وإنْ هم أو نحن إلا نظنُّ أو يَظنون.
مما تقدم يتبين بوضوح كم أنَّ موضوع النقد جدلِّي في أوساط الناس بل هو كذلك في أوساط المثقفين أيضًا والمتخصصين؛ ولكي يكون نقاشنا هنا نقاشًا في الاتجاه الصحيح ينبغي علينا أن نفهم أولًا مفردة النقد ونقف عليها قليلًا ومن ثم نتعرض إلى مفاهيم لها علاقة وثيقة بها ستساعدنا على رسم صورة واضحة متكاملة نستطيع من خلالها أن نصنع قَناعة شخصية أو على الأقل منطلقًا متينًا نحو قناعة صحيحة وستكون وقفاتنا على النحو التالي:
1. النقد الموضوعي.
2. التفكير النقدي.
3. التفاعل الشخصي.
4. التفاعل الاجتماعي.
حيث سأتناول تباعًا – بمشيئة الله – كل مفهوم بمقالة خاصة لعلي من خلالها أن أوفق بإيصال ما أريد إيصاله ليكون مساهمة في تراكم معرفي مثمر؛ فانتظرونا مشكورين.