من تاروت.. الحريري يدعو للحفاظ على هوية المطبخ القطيفي

طالب الشيف السيد يوسف الحريري بالمحافظة على الهوية القطيفية في إعداد الأكلات المحلية، وتعريف الأجيال الصغيرة والشابة بها، على أنها ثقافة متأصلة، تجذرت ضمن العادات والتقاليد الموروثة منذ القدم.

وأكد على أهمية الطبخ وتعليمه للأبناء والبنات، كونه ثقافة مجتمع، منتقدًا من لا يهتم بالمطبخ ويعتبر وجوده ديكورًا فقط وليس له أهمية، مع أنه يمثل هوية الشعوب وعلم يدرس.

وتحدث عن طبخة المحموص التراثية لمحافظة القطيف والتي ظهرت لقلة اللحم، ويعتمد فيها على الماء والبصل والملح، كما أنها تعتبر من أكلات البحارة حيث انتشرت في المناطق الساحلية، منذ قرن من الزمن، إذ كانت تمد البحارة بالقوة والطاقة.

وبيّن أن أفضل طبخات المحموص هي التي يكون لونها بنيًا داكنًا وليس الأسود كون الأسود منها يميل إلى المرارة في الطعم وهذا عيب فيها، مشيرًا إلى تعدد نوع اللحم المضاف إليها فعند أهالي الربيعية يكون مع الدجاج، ومع الربيان في سنابس، واللحم من غنم أو بقر في القطيف.

وأرجع سبب تغير هوية الأكل عند الأجيال الجديدة إلى الانفتاح على قنوات التواصل الحديثة والانفتاح على المجتمعات الأخرى، ودخول الطبخات السريعة من أجل التصوير، مع أنه لا ينكر دخول بعض الثقافات التي استفدنا منها، مثل؛ طهي المشويات من تركيا، والمعكرونة والبيتزا من إيطاليا، منوهًا بأن تغير ثقافة الطهي بدأت مع ظهور النفط واستيطان الأجانب في المنطقة الشرقية.

وحذّر من دخول بعض الأكلات على المجتمع وهي حرام شرعًا أكلها مثل أم الربيان، والجرجور (سمك القرش) والقبقب؛ حيث إن الكثير من الناس لا يعلمون أنها موجودة في المطاعم وقد يتعرض إلى خلطها أو خلط زيتها المطبوخة فيه بالأكل الحلال.

ونفى ما يعتقده أو يروج من لذة الأطعمة المطبوخة على الجمر أو الحطب عن المطبوخ على الغاز والكهرباء، بغض النظر عن المندي كون له طريقة خاصة لإعداده، ناصحًا كل من يفكر أن يفتح له مطعمًا بأن يكون طباخًا ويعرف تقدير الطبخ وله خبرة في التعامل معه.

وكشف عن عزمه تثبيت ثقافة المطبخ القطيفي عبر إصدار باكورة كتبه في فن الطهي، الذي يعكف عليه منذ سنتين، والذي يدعو فيه إلى التعرف وتثبيت ثقافة الطبخ في القطيف وكيف يمكن نقلها للأبناء والبنات، مع تعليمهم الأخلاق والدين، مثمنًا دور الباحث إسماعيل هجلس في دعمه لنشر الكتاب.

جاء ذلك خلال حلول الشيف الحريري ضيفًا على منصة الإنستقرام التابعة للناشط الاجتماعي هاني المعاتيق للحديث عن “فنون الطبخ الشرقي والغربي”، وذلك يوم الخميس ٥ شوال ١٤٤١هـ.

وتطرق الحريري إلى الحديث عن الطبخ في القطيف قبل انتشار المطاعم الحديثة والذي كان يقتصر على الأرز الأبيض والسمك أو اللحم والدجاج، مع الصالونة، حيث كان الكل يطبخ في بيته، ولا يتم شراء الأكل من المطعم إلا في حالة إعداد الولائم للمناسبات العامة، قائلًا: “عندما يرغب أحد في شراء وجبة الغداء من المطعم يقدم العذر بسبب ذلك”.

واعتبر البرياني والكبسة من الطبخات الحديثة في المطبخ القطيفي، أما البحاري والمحموص والمحمر فكانت طبخات للبحارة لسهولة طهيها وأنها لا تحتاج لوقت أو جهد ولا حتى مواد لإعدادها.

وذكر أنه بحث عن أسماء أشهر الطباخين على مستوى محافظة القطيف، ومنهم في سيهات؛ حسين الحلال، وشفيق وجدي الحكيم، ومن القدماء في سيهات؛ جابر الحمود، وجاسم النعيمي، اللذان كانا يطبخان بين الستينات والثمانينات من القرن الماضي، وكان طبخهم على الحطب.

وانتقل إلى ذكر طباخين صفوى حيث اشتهر منهم أبو علي الخويلدي (آل نور الدين)، ومن عائلة الشرفا علوي والسيد ماجد الشرفا، حيث تمركزوا في المضايف، وعبدالكريم علي المسلم الذي فتح أول مطعم في صفوى.

واعتبر القطيف بحرًا متلاطم الطراف من كثر الطباخين فكان منهم خادم المآتم حسين الناجي من القطيف، وعائلة الهجهوج التي اشتهرت بطهي الحلويات، مع عائلة القطري والبحراني والمرحون في الطهي.

ولفت إلى أنه عاصر في جزيرة تاروت الكثير من الطباخين ومنهم؛ المرحوم حبيب الغرقان، وجارهم أبو سعيد التاروتي، وأحمد الجبران، وعبد آل درويش، وعبد الرزاق النابود، وأحمد آل قيس فكانوا ذوي نفس طويل لطبخ الولائم، أما الطباخون الجدد فمنهم؛ حسين آل يتيم، وسلمان المطوع، وعقيل البحار.

وتحدث عن قراءته في دراسات عالم الطهي على مستوى العالم، مؤكدًا تفوق الطباخين على الطباخات، وأن الطباخات لهن نفس عالٍ عن الرجال والذي يعتبر سر الطبخة التي تتولد من الخبرة والتعلم من الأخطاء لتقديم الأفضل، لافتًا إلى أن تفكير الأمهات عند دخول المطبخ يكون لأطفالهن وتقديم أفضل ما لديهن وهذا هو النفس.

وختم بقوله: “المطبخ ليس ديكورًا بل مكان لصنع لقمة طيبة لإطعام الأسرة”.

من هو؟
الشيف الحرير هو ابن تاروت الذي تعلم الطهي كصنعة من عائلته التي يشار لها بالبنان حيث تربى فيها مع والده السيد مهدي الحريري، ويعتبر أشهر الطباخين في تاروت والمنطقة، وأحد أهم الأوائل الذين تفردوا بمطاعمهم الخاصة في جزيرة تاروت، بعدما فضله على وظيفته في شركة أرامكو مع أنه كان طباخًا فيها وتعرف خلال فترة عمله بها على الأجانب بالكثير من الأكلات الشعبية القطيفية، بالإضافة إلى التحاقه بركب حملات الحج والعمرة والزيارة حيث كان يطهو لهم ما لذ وطاب، كما كان يشارك في مضائف المآتم الحسينية.

طريق والده
وسلك طريق والده في حبه للطبخ، رغم تخرجه في الكلية التقنية بتخصص المحاسبة بدرجة امتياز، وعمله محاسبًا لفترة من الزمن، إلا أن حنينه في التفرغ إلى عمله الحر كان هو المحرك له بفتح مطعم ومخبز، مع خوض تجربة الطبخ لحملات الحج والعمرة، لمدة ١٤ سنة.

شغفه للطهي
الحريري قاده شغفه للطهي إلى البحث في عالمه على المستوى المحلي والعالمي، إلى أخذ دورات كثيرة حوله، مع التركيز على الاهتمام بالطهي القطيفي، حيث يرى أنه يجب المحافظة على هويته، ومع هذا الجد الحثيث إلا أنه لم يغب عن الشأن الاجتماعي على مستوى المناسبات الاجتماعية، بالإضافة إلى كتابة الخواطر الأدبية فضلًا على أنه رادود حسيني.

ذكريات الصغر
عندما كان طفلًا كان يشاهد والده يطبخ ويشرف على الطبخ وبكميات كبيرة على الخشب في الثمانينات الميلادية مقابل نادي الهدى، والتي كانت بمثابة ورش عمل للتدريب على الطبخ كصنعة، بمشاركة الطباخ حبيب الغرقان من تاروت – رحمه الله.

وتشرب الحريري حب الصنعة مع جميع الإخوان والأخوات من والدهم، إلا أنهم لم يتحدوا ككيان واحد لإنشاء شركة للمطاعم، وذلك لرغبة والدهم في إبعادهم إذ تمنى أن يراهم في أعمال أخرى أفضل من هذه المهنة، حيث اقترحوا على والدهم إدارة مطعمه إلا أنه رفض، مع عمل أخوه السيد صلاح بالرياض، والسيد محسن الذي كان له مشروعه الخاص وهو لم يكن مؤهل لذلك، مما حدا بهم جميعًا للتباعد والبحث عن فرص أخرى في الحياة.



error: المحتوي محمي