
القرآن…
الدستور الأفضل…
في هذه الخاطرة سنواصل الحديث حول القرآن على أنه أفضل دستور وهو الدستور الذي يوصل الإنسان إلى أفضل الغايات حال التكامل والرقي.
وقلنا إنَّ الإمام الوصي الخاتم صلوات الله عليه هو مشمول بعنوان الإمام المجعول من قبل الله عزّ وجلّ والذي يهدي إليه القرآن المجيد.
قال تعالى:
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ}.
الآية الشريفة المباركة أشارت إلى عدة مفرادت وما يهمنا في هذه الخاطرة هي مفردة أنَّ الكتاب الشريف احتوى على {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} يعني أنه مبين لكل شيء المرتبط بعالم التربية والهداية وليس بكتاب حامل لقوانين العلوم الرياضية وغيرها من العلوم كالجيولوجيا والفلك مثلا وإنما كتاب هداية للناس.
قال تعالى:
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.
قال تعالى:
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.
وقد تقدم في الخاطرة السابقة حول أمر مهم وهو أنَّ القرآن يهدي إلى الإمام والإمام يهدي إلى القرآن.
يعني أنَّ هناك اثنينية لا يمكن أن تنفصل إحداهما عن الأخرى فبعد معرفتنا وجود هذه العلاقة إذن لا يمكن لأحد أن يعي ما بيّنه القرآن الكريم من دون الرجوع إلى أهل البيت صلوات الله عليهم حيث إن القرآن الكريم أمر بالرجوع إليهم حيث إنهم هم أهله.
قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
روى الشيخ الكليني في أصول الكافي عن أبى عبدالله عليه السلام في قوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} قال: “يهدى إلى الإمام”.
نعم يستطيع الإنسان أن يصل لكل ما يقربه إلى الهدايه من خلال التدبر في آيات القرآن بعد معرفة علوم اللغة وقواعد النحو والصرف والبلاغة وغيرها وأما الوصول إلى المراد الواقعي من كل آيه فلا يمكن أن يصل إليه الإنسان إلا عن طريق الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله هو الذكر وأهل البيت هم أهل الذكر.
روى الكليني في الكافي الشريف:
رَوى الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿… فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): “الذِّكْرُ أَنَا، وَالْأَئِمَّةُ أَهْلُ الذِّكْرِ”، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): “نَحْنُ قَوْمُهُ، وَنَحْنُ الْمَسْؤولُونَ”.
رَوَى ابن جرير الطبري في تفسيره بسَنَده عن جابر الجعفي، قال: لما نزلت: ﴿… فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾، قال علي عليه السلام: “نحن أهل الذكر”. فضائل الخمسة من الصحاح الستة.
وبواسطة الفقهاء لأنهم أهل الاختصاص لأنَّ القرآن يضم عدة وجودات ملكوتية وعرشية ومادية فبهذه الوجودات يضم كل الأسرار والمعاني الكونية فلذلك لا يستطيع معرفة واقعه إلا من حمله في كل مراحل وجوده وهم محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
نعم القرآن الكريم هو: {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} وإذا أردنا أن نستدل على أنَّ القرآن الكريم هو تبيان لكل شيء يكون ذلك خلال النظر إلى سعة مفهوم (كل شيء) فكل تفيد العموم تفيد الاستغراق.
ومع ملاحظة أنَّ الكتاب هو كتاب تربية وهداية للبشرية ونزوله على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ليوصل الإنسان إلى مرتبة الكمال على جميع الأصعدة المادية والمعنوية فمن خلال ذلك نعلم أن المراد من (كل شيء) يعني كل ما يلزم الإنسان من أمور ليصل إلى مرتبة الكمال.
نعم القرآن الكريم كشف لنا عن مقدار كبير من الأجزاء الحساسة في عدة جهات علمية مختلفة وذلك ضمن بحوثه التوحيدية والتربية.
فهل يا ترى ذلك الكشف هو المراد؟
كلا ليس ذلك وإنما مراده هو توجيه البشرية نحو التوحيد والتربية الإلهية التي توصل الإِنسان إِلى بَرّ الأمان إلى السعادة الحقيقية المرجوة من خلال الوصول لرضوانه جلّ وعلا.
نلاحظ جليًّا أنَّ القرآن الكريم تارة يعرض لنا المسائل الحياتية للإِنسان التي ينبغي أن يمتثل بها بصورة كلية.
كما في قوله تعالى اسمه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
فقد تعرضت الآية المباركة إلى أكمل القوانين الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية ذكرت أصول ستة مهمة، ثلاثة منها: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ} وهي أصول إيجابية وأمرنا الله جلّ وعلا العمل بها. وثلاثة ذات صفات سلبية نهى عن ارتكابها: {وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}.
عندما ننظر إلى مفردة قانون العدل فلا يوجد قانون أوسع وأشمل من العدل الذي تدور حول محوره كل أنظمة الوجود فهو قانون كلي.
وتارة نلاحظ القرآن الكريم يتعرض إلى جزئيات المسائل كما في قوله سبحانه وتعالى عندما بيّن لنا أحكام كتابة سندات القرض والعقود التجارية.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
وإذا تتبعنا آيات القرآن لوجدنا كثيراً من الآيات التي تعرضت إلى أصول العقائد الدينية
والفضائل الأخلاقية وكليات القوانين العملية.
أصول العقائد:
كقوله تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّة رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
إنَّ التَّوحيد في العبادة ممّا اتفق عليه جميع المسلمين اختصاصه بالله سبحانه وتعالى.
فهذه القاعدة الكلية لا يشك فيها أي مسلم كيف والقرآن قد صرح بأن الهدف من بعث الأنبياء هو الدعوة إلى التوحيد في العبادة.
الفضائل الأخلاقية:
من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الأخلاق وتدعو المؤمنين للتخلّق بمكارم الأخلاق.
قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وغير ذلك من الأصول إذن القرآن الكريم هو كتاب هداية للبشرية ويأخذ بالإنسان إلى السعادة الحقيقية وهو الذي يوحي إليه أهم وأحسن القوانين وأثبتها بحيث توصله إلى السعادة وهي الغاية والهدف الأسمى.
قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ}.
وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ}.
وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الْإِسْلَامُ}.
وقال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
فنستخلص في هذه الخاطرة المختصرة أنَّ القرآن الكريم كتاب متكامل شامل للأحكام والآداب والأخلاق والعقائد وهو كتاب هدى، بل يشتمل على عناوين جمّة يستسقى منه المبادئ والأحكام الدستورية لما يوصل الإنسان لسعادته.
لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.