
الأسمدة الكيميائية هي عناصر مغذية تضاف إلى التربة من أجل زيادة الإنتاجية، فما هي حقيقة تأثيرها إذا وضعت في التربة بصورة عالية؟ هل تبقى في النبات وتضر بالصحة مثل بقايا المبيدات، ثم ما مدى صحة أنها تسبب أمراضاً خطيرة؟
هناك تأثيرات ضارة تتركها الأسمدة الكيميائية على المحاصيل الزراعية مثل ما تتركها بقايا المبيدات، وتعتمد على درجة امتصاص النبات وبقائها فيه، وتسبب أمراضاً خطيرة مثل أمراض الكبد والدم والسرطان.
الأسمدة الكيميائية أمر حتمي لا خيار فيه في مشاريع الإنتاج الزراعي، يمكِّن النبات من الحصول على بعض العناصر الغذائية مثل النتروجين، العنصر الغذائي الرئيسي لخصوبة التربة، إلاَّ أن مسألة التحكم في كميته وتنظيم إمداد النبات به ليس بالأمر السهل، فمع تطور الزراعة أصبح الإنسان يضيف السماد وخاصة النيتروجيني “اليوريا” بكميات كبيرة للمحاصيل ليحسن نموها وإنتاجيتها، غير مدرك أن النباتات لا تستعمل كل النيتروجين المضاف، فهناك قسم يبقى في التربة ويتسرب للمياه الجوفية، وقسم يجري على السطح ويختلط مع المياه السطحية مؤدياً إلى تلوثها.
• تعتبر النترات من المغذيّات الضرورية للمحاصيل الزراعية، والخطورة تكمن في زيادة تركيزها في التربة عن طريق إضافة الأسمدة النيتروجينية، ومحتواها في مياه الري، ومن ثم تنتقل إلى الأوراق والثمار، فتتحول بدورها إلى ملوثات داخل جسم الإنسان عندما تختزل النترات (NO3) إلى نيتريت (NO2) الضارة بالصحة، وهذا حال معظم المخصبات الكيميائية.
• الاستعمال المزمن لمياه الشرب ذات التركيزات العالية من النترات، يمكن أن يحدث أيضاً آثاراً صحية سالبة، إن أكثر من 20% من النترات المأخوذة تتحول في الجسم إلى نتريت الذي ينتقل في المعدة والقولون والمثانة ليشكل مركبات N -NITROSO، هذه المركبات معروفة كمسبب للسرطان.
• أملاح النيتريت التي تضاف كمادة حافظة وملونة مثل نتريت الصوديوم “E 250″، تضفي على اللحوم المصنعة لوناً أحمر زهرياً، هذه اللحوم إذا قليت بالزيت أو طبخت لفترات طويلة فإنها تنتج مركبات مسرطنة للجهاز الهضمي، هذه المواد المسرطنة تسمى “النيتروزامينات”، وسبب تكون هذه المادة هو اتحاد الملح النيتريت مع المواد النيتروجينية الأمينية الموجودة في بروتينات اللحم.
ظاهرة تلوث المحاصيل الزراعية، واللحوم المصنعة، والمياه الجوفية، بالنترات وما تسببه من خطر على الصحة العامة، موضوع بالغ الأهمية من حيث تأثيره وعلى الأخص الأطفال فهم الأكثر تأثراً بالتأثيرات السمية للنتريت.
وصول النترات إلى الدورة الدموية في جسم الإنسان عن طريق تلك المصادر، خطر محدق لمن يعانون أمراض فقر الدم.
والنترات بحد ذاتها ليست سامة في الكميات العادية، ولكن تتأتى سميتها على صحة الإنسان بسبب إرجاع النترات إلى نتريت في الجسم، وهذا بدوره يدخل الدورة الدموية بسهولة، ويسبب حالة تدعى الـ(Methemoglabinemia) تعرف بخضاب الدم المبدل الدموي، وهذه العملية خطيرة بشكل خاص على الأطفال حديثي الولادة، ويعود الأمر فيها إلى حقيقة أن ما يصل إلى نسبة 10% من النترات يتحول إلى نتريت مؤدية إلى انخفاض قابلية نقل الأكسجين وهو ما يدعى بـ “متلازمة الوليد الأزرق”.
فالهيموجلوبين هو المركب المسؤول في الكرية الحمراء عن نقل الأكسجين عبر الجسم، وعندما يتحول NO3 إلى NO2، فهذا بدوره يؤدي إلى أكسدة جزيئات الحديدي (Fe2) في الهيموجلوبين إلى الحديد (Fe3)، إلا أن الهيموجلوبين الذي يحوي جزيئات الحديد يصبح في هذه الحالة غير قادر على حمل الأكسجين ويسمى الميتهيموجلوبين، فإذا ازدادت نسبته في الجسم فهو يسبب حالة “ميتهيموجلوبينيميا”، وتتميز هذه الحالة بالزرقة “لون الجلد أزرق” والرجفان، ونقص الأكسدة الدماغية.
توجد نسبة 1% من الميتهموجلوبين بشكل طبيعي عند البالغين، وعندما تصل نسبته ما بين 10 – 20%، فإنها قد تسبب “ميتهيموجلوبينميا”، وفي حالة كون النسبة أعلى من 60% تسبب الوفاة.
أما الأطفال ما دون 4 أشهر من العمر، فهم الأكثر تأثراً بالتأثيرات السمية للنتريت من الأطفال الأكبر والبالغين، وتسمى هذه الحالة عند الأطفال “BLUE BABY SYNDROME”.
يمكن لـ “متلازمة الوليد الأزرق” أن تحدث عندما يتناول الطفل دون السنة الواحدة من العمر مقداراً زائداً من النترات، حيث تقوم الجراثيم في المعدة بتحويل النترات إلى نتريت والتي تتفاعل عند مرورها إلى الدورة الدموية مع الهيموجلوبين، مما يُنقص كثيراً من قدرة الدم على حمل الأكسجين ويتسبب بما يمكن وصفه بالاختناق الكيميائي.
والأطفال الحديثو الولادة هم الأكثر عرضة لذلك، نظراً لأن معداتهم ليست على درجة كافية من الحموضة لتمنع الجراثيم من تحويل النترات إلى نتريت، فالعامل الأكثر أهمية إذن هو أن الأطفال يفرزون كمية قليلة من الحمض في المعدة، ويتراوح PH المعدة عندهم ما بين “5 – 7″، وهو مناسب لنمو الجراثيم التي تقلب النترات إلى نتريت.
وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الجرعة اليومية المسموح بها هي 5 أجزاء في المليون نترات و0.4 جزء في المليون نتريت، كما يجب على الأطفال والبالغين أن لا يتناولوا الماء الذي يزيد فيه النترات على 45 جزءًا في المليون.
نشر الوعي البيئي والصحي بين المزارعين، وخصوصاً في مجال استخدام الكيمياويات الزراعية سواء كانت أسمدة أو مبيدات لتجنب الضرر الناجم من سوء الاستخدام، كما أن تطبيق الاشتراطات الصحية واللوائح الفنية الخليجية – مواصفة GSO 149 / 2014، جدول رقم 3
• يجب ألا تزيد النترات (NO3) في مياه الشرب المعبأة على 50 جزءاً في المليون، والنيتريتNO2 على ٣ أجزاء في المليون.
الاندفاع المتسارع نحو استخدام المخصبات في الزراعة بطريقة غير سليمة، جعل الغذاء أو السلسلة الغذائية أكثر خطورة على صحة الإنسان، وفي هذا الصدد ظهرت عدة اتجاهات وتباينات في قضية الأسمدة الكيميائية، فهناك من قال إن تلك الكيميائيات ملوثة للبيئة وضارة بالصحة، ولذلك يجب أن نتخلص منها، وأن نبحث عن بدائل لها مثل الأسمدة العضوية “السماد البلدي”، والاتجاه الآخر المعارض لهذه القضية يقول إنه لا غنى لنا من استخدامها من أجل رفع مستوى الإنتاجية.
الأسمدة الكيميائية تعطي إنتاجية عالية، ولذلك استمر المزارعون في استخدامها بكثرة وبشكل غير منظم، نتج عن ذلك عواقب وخيمة، وآثار مدمرة على صحة الإنسان والبيئة.
وليس من شك في أن مخاطر استخدام الأسمدة النيتروجينية كمخصبات زراعية يمكن أن تسبب إصابات تتراوح بين التسمم القاتل والتأثير على الحمل وتسبب السرطان وتشوه الأعضاء، مما يستدعي ضرورة وضع ضوابط صارمة لحماية المستهلك من مخاطرها الصحية.
وأخيراً تبقى مشكلة تلوث الخضار والفاكهة واللحوم والمياه بالنترات من أهم التحديات التي تواجه المستهلكين، وقد تصبح سموماً عند إساءة استخدامها، ويبقى السؤال كيف نتخلص من تلك الملوثات؟ فهل هذا ممكن أم مستحيل؟!
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.