
أوضح المحكم الدولي محمد مهدي المنصور حاجة قارئ القرآن لمخارج حروف سليمة وألفاظ وتلاوة صحيحة وتجويد، إضافة للوقف والابتداء ودورهما الكبير في إيصال معنى للآية، ثم اتجاهه للصوت ومعرفته القاعدة المتبعة وانتقاله من الصوت للمقام ليعرف كيف يصبح متدبرًا بصوته.
وبيَّن “المنصور” أن استشعار القارئ للمعنى حتمًا سيصل للمستمع، فما خرج من القلب يصل للقلب، وما خرج من اللسان لا يتعدى الآذان، ومن ذلك المنطلق عرف الصوت بأنه القاعدة الأساسية التي يبنى عليها النغم والمقامات.
وأشار إلى ضرورة معرفة كل قارئ، سواء كان منشدًا أم رادودًا أم خطيبًا، إمكانيات صوته ومدى مرونته، لافتًا إلى أن هذه المهارات موجودة في كل صوت لكنها تختلف من صوت لآخر، وبالممارسة والتدريب تتطور بشكل كبير.
جاء ذلك خلال استضافة “المنصور” من قبل الرادود أحمد أمين آل هاني، في لقاء حواري عبر “إنستجرام”، يوم الخميس ٥ شوال ١٤٤١هـ.
وعرف “المنصور” المرونة بأنها القدرة على الانتقال من طبقة لأخرى في المساحة الصوتية دون وجود نشاز في الصوت، وتناول أنواع الأصوات الرجالية والنسائية مبتدئًا بأصوات الرجال كالصوت الغليظ ويسمى “الباس” ويمتاز بالغلظة والعمق مثل صوت الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والشيخ إبراهيم الشعشاعي.
وتطرق لنوع آخر من الأصوات وهو الصوت “التينور” لأصحاب الطبقة الحادة، أمثال الشيخ عبد الباسط والشيخ محمد الليثي، وختم الأصوات الرجالية بالصوت المسمى “الباريتون” وهو المتوسط بين الباس والتينور، وغالبية عمالقة التلاوة تندرج تحت هذا النوع أمثال مصطفى إسماعيل ومحمد صديق.
وانتقل إلى الأصوات النسائية كـ”السوبرانو”، وهو الطبقة الحادة، و”ألتو” المعروف بعمقه وندرته، و”ميزو سوبرانو” الذي صنف كصوت متوسط، وقارن بين التوجه لحفظ القرآن عند النساء والرجال، منوهًا إلى أن النساء أكثر توجهًا والتزامًا ومواصلة في الدروس من الرجال حتى على مستوى دروس الحوزة.
وألقى الضوء على المقامات ونشأتها منذ تأمل الإنسان لأصوات الطبيعة والحيوانات والطيور لحين نزول القرآن الكريم، وبدء كل عالم الاهتمام بالجانب الذي يريد كعالم الفلك وبحثه عن آيات النجوم والكواكب، وعالم الطب واهتمامه بالطب، والمهتمون بالنغم سمعوا أن للقرآن أسلوبًا وطابعًا خاصًا في الأداء ويعتمد على معاني تلك الآيات القرآنية.
وقال “المنصور” إن عبيد الله بن أبي بكر الثقفي، الشهير بأبي حاتم، هو أول من طبق المقامات ووضع لها قواعد وقوانين، لحين مجيء محمد أبا النصر الذي قنن تلك المقامات وألف كتابه المسمى “الموسيقى الكبير أو الإيقاعات”.
وشرح المقام أكاديميًا بأنه يتكون من ٨ درجات صوتية موزعة على ٧ مساحات، ووجه نصائح حول تعلمها هي؛ الاستماع والتركيز بقوة على ثقافة السمع، مشددًا على ضرورة محاكاة القارئ في بداية مشوار تعلمه لكبار القراء وكيفية تطبيقهم وأخذ الأسلوب والطريقة التي تناسبه منهم، ثم الاستماع للجميع حتى يكون أسلوبًا خاصًا به.
وأضاف أن المدة الزمنية لإتقان المقام مختلفة من شخص لآخر، فالبعض يحتاج لثلاث مرات لإتقانه، والبعض الآخر قد يحتاج لثلاثين مرة، معتمدًا على إمكانيات سمع القارئ وموهبته ومدى إصراره.
وركز على توظيف المقامات لخدمة إيصال المعاني القرآنية وليس التطريب، وعبر عن إعجابه الشديد بكلمة الدكتور طه عبد الوهاب: “لم نأت لكي نتسابق في مغنى إنما أتينا لتبيان معنى”، منبهًا إلى أهمية إتقان الأصول أولًا ثم الانتقال للفروع.
وتطرق إلى قارئ القرآن في المجتمع سابقًا، مشيرًا إلى قلة عدد القراء في ذلك الوقت، فقد كان عددهم يتراوح بين ١٥ و٢٠ قارئًا كقراء متميزين، وكان أبو عبد البارئ أول قارئ في المنطقة آنذاك، فهو الذي يتنقل من لقرية لأخرى للمشاركة.
ولفت إلى المشكلة التي واجهت قراء القرآن الكريم، والتي تكمن في استضافتهم قبل المناسبة بساعات قليلة دون تهيئة وتحضير، وشبه قارئ القرآن قديمًا بحقل تجارب في بداية الحفل وكأن فقرة القرآن الكريم لوزن الصوتيات لا أكثر.
وأكد أن قارئ القرآن لا يأخذ حقه في صورة الإعلان، وإنما يتم التركيز على صورة الرادود والاكتفاء بوضع صورة صغيرة للقارئ.
وأشار إلى تغير حال قارئ القرآن في وقتنا الحالي، فأصبح من الضرورى الاتفاق معه قبل المناسبة بفترة زمنية قد تكون شهرًا أو شهرين وقد تصل لثلاثة أشهر.
وأنهى حديثه قائلًا إن حضور الجلسات الأسبوعية والممارسة الدورية والاستمرار في التلاوة تكسر حاجز الخوف لدى القارئ.