
لا شك أن الكثير منا في ظل هذه الأزمة (أزمة كرونا) تراوده مشاعر مختلفة في اليوم الواحد، فأحياناً يشعر بالضيق والضجر، و أخرى بالحزن والوحدة، وتارة بالقلق و الترقب.
وقد نصادف بعض الأشخاص يصفون يومهم بأنه عادي أو روتيني، وأن البقاء فترة طويلة في المنزل على غير المعتاد لم تغير عليهم الكثير “أخذنا على الوضع”.
ولعل البعض منا تتردد عليه مشاعر الحزن والضجر والوحدة بشكل شبه يومي فبدأ يعطيها وصفاً آخر قد يراه معبراً أكثر لما يشعر به وهو الاكتئاب، حيث أصبحت هذه الكلمة ذات شعبية واسعة بين عامة الناس على الرغم من ثقلها و وزنها في علم النفس.
لكن في الواقع حتى نستطيع أن نحدد هل الفرد مصاب بالاكتئاب أم لا، لا بد أن نعرف أن مشاعر الحزن والضجر تختلف تماماً عن الاكتئاب بشكله الإكلينيكي المعروف.
ولتوضيح ذلك بشكل مختصر يمكن القول بأن الشعور بالحزن أو المزاج المكتئب في حد ذاته غير كافٍ أبداً للحكم على شخص أن لديه اكتئاباً لأنه شعور طبيعي يمر به الكل، ولكن شدة الحزن وطول مدته بحيث يستمر أغلب اليوم وكل يوم هو المعيار الأساسي الذي يُعتمد عليه.
أضف إلى ذلك أن هذا المعيار ما هو إلا واحداً من ضمن ثمانية معايير لا يسعني ذكرها، يحتاج الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي إلى خمسة منها أو أكثر لكي يستطيع أن يقول إن فلاناً يعاني فعلاً من الاكتئاب.
ومن الجدير بالذكر أن هذه المعايير الخمسة أو أكثر لا بد من وجودها مجتمعة كلها في نفس الفترة، وأن تسبب للفرد معاناة حقيقية وتدهوراً في حياته على المستوى الاجتماعي، الوظيفي، أو أي جانب آخر مهم في الحياة.
إذن، فالاكتئاب ليس مجرد شعور غير مريح أو حالة مزاجية غير محببة، وإنما هو أعمق وأدق من ذلك بكثير، إذ إن كل نوع من أنواع الاكتئاب له معاييره وتداعيته التي تؤثر على الفرد بشكل ملحوظ.
والسؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين في هذه الفترة، هل سأصاب بالاكتئاب بعد انتهاء الأزمة؟
قبل أن نُجيب عن هذا السؤال، دعونا نتعرف على واحدة من القدرات النفسية التي تساعد الفرد على تجاوز الأزمات وهي الـ “resilience”، أي القدرة على التكيف بشكل جيد في التعامل مع الأحداث المزعجة، الصدمات، المآسي، الأحداث المهددة للحياة، أو مصادر التوتر مثل المشاكل العائلية والاجتماعية، المشاكل الصحية الخطيرة، أو توتر العمل و الأمور المالية.
هذه القدرة موجودة بالفعل عند نسبة لا بأس بها من المجتمع إما كجزء من شخصياتهم أو أنها مهارة اكتسبوها بالممارسة، لذلك فإنه من المتوقع أن هؤلاء الأشخاص تكون لديهم قدرة معقولة على التأقلم والتكيف ستساعدهم على العودة لما كانوا عليه سابقاً (وضعهم الطبيعي) وبشكل تدريجي بعد مرور هذه الأزمة.
ويعتبر الوعي بالذات، وتقبل التغيير، وعيش الأحداث لحظة بلحظة من أهم العوامل لتعزيز قدرة الإنسان على التكيف.
ناهيك عن أن بعض الأفراد قد يتجاوزون مرحلة التأقلم، وتكون لديهم القدرة على اكتساب ما يعرف بالنمو ما بعد الصدمة “trauma growth” الذي يتضمن تشكيل مفهوم ومعنى آخر للألم والمعاناة والتوتر، حيث يبدأون باكتشاف بعض القدرات أو المهارات في أنفسهم لم يكونوا يعرفونها قبل حدوث الأزمة، ويطورونها للاستفادة من الأحداث المزعجة بشكل إيجابي غير متوقع.
وبالتأكيد فإن اكتساب هذه القدرات يعتمد على أمور كثيرة، إذ إن لكل فرد ظروفه البيئية، والاجتماعية، والمالية، والوظيفية، وكذلك النفسية التي كانت موجودة لديه قبل، وفي أثناء، وبعد الأزمة، وكل هذه الظروف ستؤثر بشكل كبير على تجاوب الأشخاص وتفاعلهم بعد انتهائها.
لذلك فإن ذوي الاختصاص في علم النفس لا ينكرون أن بعض الأشخاص قد تكون لديهم معاناة من بعض الاضطرابات النفسية كالاكتئاب، والقلق، والوسواس القهري، وغيرها، مما يجعل الإقبال على العلاج النفسي مرتفعاً بعد انتهاء الأزمة.
ولكن على الرغم من ذلك، وبما أن تداعيات هذه الأزمة يحوطها الكثير من الغموض على جميع الأصعدة إلى وقتنا الحاضر، لذلك فنحن نتمنى أن تكون نسبة الأفراد الذين ستكون لديهم القدرة على العودة لوضعهم النفسي الطبيعي قبل الأزمة ونموهم الذاتي أثناء هذه الفترة أكبر بكثير مما نتوقع.