
خلال هذه الأزمة مررنا بأيام صعبة، لمدة لا تقل عن شهرين من الحجر في بلاد الغربة، لا سيَّما خلال أيام رمضان الكريم كانت الأيام طويلة والساعات تمر بصعوبة.
كانت اتصالات والديّ لا تنقطع، وكانت أمي في بداية مكالماتها تقول لي: جميعنا محجورون وجميعنا نمر بنفس الظروف، لم أكن أشتكي وكنت أتمنى من أعماق قلبي لو يكون الحجر بينهم، في مكالمات الفيديو كانت أمي تسند الهاتف بجانبها وكنت أنصت لأحاديثهم، كنت لا أغلق المكالمة وأكتفي بالنظر إلى لمتهم الحلوة.
خلال هذه الفترة لم أكن أتمنى شيئاً سوى أن أكمل ما تبقى من أيام رمضان معهم وأكون يوم العيد بينهم.
الحمد لله وبعون من الله قامت السفارة بترتيب رحلة لأول مرة (من العاصمة لجدة مباشرة) لمدة أربع ساعات تقريبًا.
كانت معاملتهم لنا كمعاملة أب لأولاده معاملة تفيض بالحنان والطيبة.
كنت مترددة في العودة بسبب قرارات الجامعة، إلى أن وصلنا إيميل يفيدنا بأن الدراسة ستكون عبر الإنترنت؛ للأسف كان الوقت متأخراً ولم تكن هنالك مقاعد شاغِرة، مر أكثر من يوم وفي قلبي حسرة.
فجأة قبل الرحلة بيومين تلقيت اتصالاً من السفارة يسألونني: “هل أنتِ جاهزة للرجوع لبلدك؟ هناك مقعد لك إذا غيرتِ رأيك”، أجبت عليه وقلبي ينبض سعادة: نعم.. نعم جاهزة”.
لا أستطيع أن أصف لكم حجم السعادة التي غمرت قلبي خلال تلك المكالمة.
وحتى يوم الرحلة وطوال الفجر كنت أتلقى اتصالات من السفارة حتى يؤكدوا لي أن أموري بخير وأني مدرجة على الرحلة.
وحتى وصولي للمطار كان أحدهم يتصل ليطمئن بعدم مواجهتي لأي مشكلات في المطار، لم تتوقف اتصالاته إلى أن شحنت حقائب السفر.
السفارة صنعت المستحيل لنعود لأهالينا، هل يمكنكم تخيل أن المطار مفتوح لنا نحن السعوديين؟ ولم يكن هنالك أحد في المطار إلا المدرجون في القائمة اللي نظمتها السفارة، كانت الرحلة الوحيدة المفتوحة!
لا أستطيع أن أصف لكم شعوري عندما لمحت الطائرة الوحيدة في مدرج المطار التي كانت تحمل علم السعودية وهي متجهة لبوابتنا.
شعرت بفخر وسعادة، شعرت بأننا بين أيادٍ أمينة، أيادٍ لن تتركنا مهما كانت صعوبة الظروف.
كانت رحلة مريحة وكنت أشعر بفرحة الجميع فيها، كانت هذه المرة مختلفة!
وصلنا لجدة، وعلى دفعات نُقلنا إلى الفندق، هناك استقبلنا طاقم صحي كامل من أطباء وممرضين.
ونقلًا عن إحدى زميلاتي: لا أنسى جملة الطبيب الذي استقبلنا وهو يقول: “لي شهران لم أر أهلي لخوفي عليهم، لكن عودتكم وخدمتكم تشرح صدري”.
في نفس يوم وصولنا أخذوا مسحة من الجميع، وجميع الموظفين كانوا مبتسمين وكأن سبب الابتسامة هو نفسه أن هذهِ الخدمة تشرح صدورهم.
أما عن الحجر أبدًا لم أشعر بأيام الحجر، مضت الأيام خفيفة وكنت مرتاحة من الخدمات المتوفرة، الغرف مريحة ونظيفة، وكل شيء متوفر، الوجبات لا ينقصها شيء، والخدمات كاملة من غسيل ملابس وغيره، بالمختصر أشعر بأن ما حدث تعويض عن المدة اللي تم حجرنا فيها في بلاد الغربة.
في الأخير على كل الصعاب التي مررنا بها في هذه الأزمة ومن خلال تجربتي الخاصة، مهما كانت المصاعب التي نواجهها نحن بخير ما دام هذا وطننا.
أهلي وأخيرًا أكون بينكم.