بدأ مشواره في عالم التصوير، بغرامه للقطة التصويرية، تلك التي تعكس يومياته المعتادة، أحس الصورة ذاكرة لا تمحوها الأحداث، وكغيره من الكثيرين كان غرامه بها بشكل عشوائي، لا تنسقه دورات ولا قواعد خاصة، إلا أن ذلك لم يمنعه من امتلاك كاميرا فيلمية ليشاغب بها لحظاته، ويومياته ورحلاته.
وبعد مرور سنوات جاءت الكثير من المواقف التي جعلته يسعى إلى تطوير أدواته، لما عشقه الفنان الفوتوغرافي السيد محمد رضا البحراني، لتتحول صوره العادية إلى لقطات أكثر احترافية.
الكاميرا الفيلمية
يذكر “البحراني” أن بدايته في التصوير باستخدام الكاميرا جاءت في سن مبكرة جدًا، مستخدمًا الكاميرا الفيلمية قبل الرقمية، والتي كان يستعيرها من جاره، ليمارس التصوير، موضحًا أن سيرته الفنية بدأت مع انضمامه إلى جماعة التصوير الضوئي (ألق) – الخويلدية.
وأضاف: “استخدمت الكاميرا الفيلمية بداية مسيرتي الفنية، ولصغر سني وقتها، كان يصعب علي تحميضها بنفسي، لذلك كنت أتوجه إلى معامل التحميض في الاستوديوهات القريبة، كالغدير، وبعده الهيثم، وأطلب تحميض ما أصوره”.
وتابع: “الصورة وقتها كانت مكلفة ماديًا، خصوصًا لطالب في المرحلة المتوسطة، لذلك كنت أقوم بتحميضها، محتفظًا بـ النيجاتيف”، وإذا توفر المال طبعت الصور، وفي حوزتي تقريبًا ٤٨ صورة مطبوعة ما بقي منها”.
وحول المواقف التي مرت عليه، قال: “في دنياي الفنية، ثمة العديد من المواقف، مع والدي -يرحمه الله- وبعض الأقارب، كانوا يحتفظون بصور توثيقية لرحلاتهم، وبعض محطات حياتهم المختلفة، مما كان له دور في إشعال الجذوة الأولى”.
وأضاف: “الفوتوغرافي السيد أسعد – ابن عمي – كان أحد المصورين، ويملك مخزونًا توثيقيًا للمنطقة، له الدور الأبرز في تغذية البادرة من العادات الجميلة، كان يستعرض لنا صور الماضي الجميل على شاشة البروجيكتور، في مناسبات التجمع العائلي”.
وأشار إلى أنه لا يبخل بإعارة الكاميرا الخاصة به أحيانًا وتقديم المساعدة، والنصح أثناء التصوير.
وتابع: “الدكتور عبد الله التقق – خاله – إحدى أهم ركائز الدعم، اشترى عدة كاميرات، وكان يعطيني إياها، ولي كامل الحرية بالتصرف بها كيفما أريد، ولفترات طويلة، تصل لعدة شهور، ليجعلني من خلال هذه المواقف، أقوم بتوثيق محطات مختلفة من المناسبات الاجتماعية”.
نقطة التحول
وأكد أن نقطة التحول في مسيرته الفنية، جاءت من خلال الانتقال من التوثيق، لدخول عالم التصوير من أبوابه المتسعة.
واستطرد: “اشتريت أول كاميرا رقمية، وهي نيكون D3100، عام ٢٠١١-٢٠١٢م، التي كان سعرها ٣٠٠٠ ريال تقريبًا، وذلك بمعونة مدربي والموجه المخلص ثامر العمران”
ويقول: “انطلقت بالتعلم والتجربة، وأخذ مختلف المعلومات من مصادر مختلفة، خصوصًا من العالم الافتراضي، عطفًا علي دخولي مجموعة ألق التي كان لها بالغ الأثر في تغيير وجهة نظري والتحول من التصوير التوثيقي إلى الفني”.
ولفت إلى أن “التصوير الفني له متطلبات، لم أكن ملمًا بها، جل ما أعرفه إعجابي بالصورة الفنية، وأطمح بأن أصور مثلها، وأراه هدفًا أتمنى حدوثه، واتضحت مفردات كثيرة بعد انضمامي إلى مجموعة ألق بعدما التقيت بنخبة من المصورين من المنطقة”.
وتحدث عن ماهية التصوير الفوتوغرافي، منوهًا إلى أنه رسم بالضوء، ولفهم سلوكيات الضوء وخصائصه المختلفة، نجد أنفسنا نتدرج بدراسة خواصه الفيزيائية.
وبيَّن أنه كلما زادت معلومات المصور في المجال، تمكن من إبراز العمل بالخواص والأحاسيس التي يرغب فيها أكانت في إسقاطات الضوء، أو اللون، أو خلافه.
وعن التصوير، أكان هواية، أم دراسة؟ يجيب: “إنه هواية ومزيج من العلوم؛ الفيزياء من الجهة التقنية وعلوم الحياة من الناحية الفنية، اتجهت للتصوير من باب الهواية، ولكن في الحقيقة، هو دراسة ممتعة، تطبيق للقواعد العلمية بشكل خفي وممتع”.
ولادة اللحظة
وفي ما يعنى باختيار موضوع الصورة في تحضيره، أوضح: “يختلف موضوع الصورة تبعًا إلى الهدف المراد الوصول إليه”.
واستشهد بتصوير الأطعمة مثلًا، فإن الأفكار تكون معدة مسبقًا، ومع التنفيذ تتغير المعطيات، وتتجدد الأفكار، وفي الجوانب الأخرى من التصوير، فإن بعض الأفكار، تكون وليدة اللحظة، لأن بعض المواقف لا تتكرر بنفس العفوية، كتصوير حياة الناس، وحياة الشارع.
وقال ” البحراني”: “بالنسبة لي، فإني أميل لتصوير الطبيعة بمختلف ألوانها من الماكرو، مرورًا بالاندسكيب، مع تجارب في حياة الناس والتوثيق بشكل أكبر”.
وعن الصورة القريبة من ذاته، ليمتزج بها وجدانيًا، أفاد بأن من أولى الصور التي يعشقها، صورة ولده في مقتبل العمر أثناء الاستحمام، وغيرها من الصور التي لا تحمل قيمة فنية، لكنها في طياتها الكثير من الذكريات، التي يشترك فيها بعض الأحباب.
وأكدت أن بعض الصور لا تكون لها قيمة فنية عند الأغلب من المتلقين، لكن قيمتها المعنوية أكبر بكثير، لذا بعض الصور قريبة جدًا لقلبي، لأنها تحمل ذكريات جميلة جدًا في حياتي الخاصة.
قدوة فنية
لكل فنان قدوة يستنير بفكره، ويتخذه منه منهجًا، يساعده على المسير، يرى “البحراني” أن “الإنسان ذا الأهداف السامية، فكرًا ووعيًا، وعطاء غير مقيد، خلوق في التعامل، بسيط غير متكلف، والقطيف فيها عدة من الأسماء البارزة ولنا الفخر بالجميع، على رأسها محمد الخراري، ووسيم آل حماد، وعلي الأمرد، والدكتور محمد الزاير، ولا أنسى أول الموجهين الفنان ثامر العمران”.
السخرية عقبة
وقال “البحراني: “كأي متوجه لهواية معينة، واجهت الكثير من المصاعب منها: “السخرية”، العقبة التي لابد من مواجهتها، كذلك الحالة المادية، التي تعتبر من أهم العقبات، خصوصًا أنك لا تتجه إلى التصوير بهدف التكسب، وقد تكون المعدات وصيانتها مكلفة، وليست باليسيرة، إضافة إلى أن أغلب الدورات المتقدمة، أو المعترف بها مكلفة”.
ونصح المبتدئ في عالم التصوير الفوتوغرافي، بأن يقوم بتصوير ما يعجبه، ويكثر من التصوير، وعدم الوقوف على مصدر واحد، بل يجرب عدة مصادر، وممارسة التطبيق ، موضحًا: “إن المجال الفوتوغرافي عالم واسع، لا يمكن احتواؤه في شخص معين، أو فكرة، أو تقنية ثابتة”.
ونوه إلى أن التصوير ثقافة عالمية، داعيًا إلى الحرص على بالتزود بمختلف الثقافات العامة، ووضع أهداف محددة، وخطط، والحرص على إنجازها.
وتابع بلغة الأمل والتفاؤل: “كن واثقًا من نفسك، ستتعرض إلى مواقف تحد من نشاطك، وبثقتك، بقدراتك، وستتجاوزه، فكن صبورًا، وطور من مهاراتك، وستنجح لا محالة”.
ألم يحن الوقت
واختتم حديثه بسؤال، تمناه، يوجهه إلى جميع المهتمين بالفن في المنطقة: “ألم يحن الوقت لتدشين أكاديمية للفنون بالقطيف؟!”.
وبيَّن السبب في أمنيته، قائلًا: “مشاركة فناني القطيف واضحة للعيان في المحافل الفنية المحلية والعالمية، وفيها من الكفاءات التي يشار لها بالبنان، والتوجه للدراسة الفنية الأكاديمية في الخارج، خصوصًا في وقت الشهادة، هي الوثيقة المعترف بها للفن بشكل ملحوظ، فلماذا لا تستثمر الطاقات داخليًا، وتترجم إلى أكاديمية فنية، تخدم المجتمع ومتطلباته الفنية”.
ومن شاطئ «القطيف اليوم»، يتحدث “البحراني”: “يقول الله تعالى في محكم كتابه “ولا تنسوا الفضل بينكم”، من خلال مسيرتي الفنية، يوجد العديد من الأصدقاء، والمقربون لهم دور كبير في تطور الأداء والمستوى الفني، لأقدم لهم باقة من الشكر والعرفان، لكل مواقفهم، وهم؛ مجموعة كشتة الفوتوغرافية، أعضاء وإدارة، وفي مقدمة المنظمين الفنانة عبير الفرج، وأصحابي المقربين، وكل من ساعد وساهم بالإثراء في المجال، وأعتذر عن عدم ذكر الأسماء كلها، لأن القائمة تطول”.