التلاعب بالوعي في بعض شاشاتنا الرمضانية

رغم الهيمنة الكبيرة لأشكال الشاشات المعاصرة على حياتنا والتنافس المحموم عليها، لأجل اختراق طبقات الوعي الإنساني، لا تزال شاشة التلفزيون تحظى برواج واسع مجتمعيا، لاسيما في موسم شهر رمضان.

وإذا كانت صحتنا البدنية تتعرض للكثير من المضاعفات الجانبية إثر استعمال شاشات الهواتف النقالة وفصائلها المخلصة، لجذب جميع الأعمار عبر الأجهزة اللوحية بمختلف شركاتها وأجهزة الألعاب الإلكترونية ذات الأشكال والأعراض المتفاوتة، فإنّ تسلط هذه الحالة الاستهلاكية للمنتجات التكنولوجية ذات الأغراض الاتصالية، تتسارع معدلات العناية باقتناء آخر ما تنتجه الحملات الترويجية، إلى درجة أنه صار أغلبنا لا يمكنه أن يجد خلاصا من هذا «الرِقِّ التكنولوجي».

أما حكاية الشاشة الرمضانية التي تعودت مجتمعاتنا على أن تجد اهتماما وشوقا موسميا بالدراما الماتعة والبرامج الجاذبة، ما يدعو الفضائيات أن تهتم بالتوقيت الذي تجتمع فيه العائلة على وجبة الإفطار، لتقديم الدراما الكوميدية ذات الاشتغال بالواقع الاجتماعي والاهتمام بالقضايا الاجتماعية، في صيغ تبعد عن السردية والمباشرة المملة، وإنما تسعى لتفعيل القوالب الفنية التي تستفيد من أدوات الإسقاط والدلالة الفنية البارعة التي تشجع المتلقي على التفاعل الحسي والنفسي مع «الإسكتش» الفني والفوازير الرمضانية والأوبريت الفكاهي الوازن.

هذا الموسم، لوحظت كثرة الانطباعات السلبية عن بعض الدراما الرئيسة التي كانت سابقا قادرة على امتلاك اهتمام المشاهد، ولعل استمرار القالب الفني والشكل الكتابي والسيناريو غير القادر على التجدد، هو أحد أسباب التململ والضجر.

ولا يُستبعد أن يكون في افتقاد الناقد الفني البارع، سبب آخر لهذا التراجع، ما يوجب الانتقال إلى الاهتمام بظهور هذه الحالة التي يفترض أن ترفع مستوى الكتابة الدرامية والفنية وتوسع مساحة هذا الظهور الكتابي بالمحتوى العابر للنمطية، والمتجاوز للاستهلاكيات التي لا تتفاعل معها الذائقة الفنية.

وحتى لا ننسى بعض القطاف النيئة التي جلبتها أضواء الشاشة الفضية، لابدّ من نقل صور الامتعاض التي سجلت بعض البرامج الموصوفة بأنها مقالب، وهي لا تتجاوز تقليد بعض البرامج الغربية التي هي أرقى مما توهمه الولع التسويقي على حساب وعي المتلقي وثقافته الفنية.

إن برامج المقالب الشعبية الغربية لا تتجاوز بعض برامج الكاميرا الخفية، وإنها ليست بهذا الاستخفاف والعنف أو التعذيب والسّفه الذي يرى في التلذذ بالألم الذي يبديه الضيوف، بممارسة التنمر عليهم واستنقاصهم، رغم تداول بعض المنصات الاجتماعية لمعرفة بعضهم بالسيناريو.

احترام المتلقي صفة النجوم الحقيقية، وما سوى ذلك فلا يستحق أن يُجهِدَ ذائقةً لم تألف إلا الأعمال المحترمة.


المصدر: آراء سعودية


error: المحتوي محمي