معلمتي الحبيبة، أنا سعيدةٌ جداً هذه المرة، فقد أخبرتني أمي أنَّ عودتنا لمنزلنا باتتْ قريبة.
لقد مضت سنةٌ كاملة على رحيلنا الآن، ومنزل جدي غير قادر على استيعابنا أنا وأمي وأخي.
وكما تعلمين فإنني لم أكن يوماً سعيدةً هنا.
صحيحٌ أن هناك أشياء رائعة هنا، فأنا أستطيع أن أكتبَ رسالتي هذه رغم أن السماءَ تمطر، فمنزلُ جدي يتبلل من الخارجِ فقط عندما تمطر.
مع هذا فأنا مازلتُ أشتاقُ لرائحةِ طينِ البحر في جدرانِ منزلنا المبلل، فبينها كان يوجد أبي.
لقد كان صباحاً مبللاً عندما أيقظتني أمي قبل عام، حين أيقظتني ظننتُ أن المطر هو السبب، ثمَّ رأيتُ وجهها فتوقف صوت المطر.
وانطفأتْ كلُّ الأصوات حولي، كانت تنظرُ إلي وتهزُ رأسها كمن يُجيب بـ(لا) رغمَ أنني لم أسألها أيَّ سؤال. تنظر إلي فتهزُّ رأسها ثم تنظرُ للخلف فتعودُ لتهزَّ رأسها، ظلَّت تفعل هذا لفترة ظننتُ أنها ساعات طويلة.
بعد ذلك توقفت وانفرج فمها الواسع وخرج الماء من شقي عينيها لتبلل المكان هي أيضاً، عرفت حينها أن أبي قد مات.
معلمتي الحبيبة أعرف أنك قد تسيئين الظن بي لو أخبرتك بما خطر لي في تلك اللحظة ولكنني أشعر بالحاجة لإخبارك بذلك كحاجة أبي للدواء.
مرت شهور كثيرة ومازلت أتذكر وعده، لكنه لم يفِ بذلك الوعد، عندما بقينا هنا كان أشد ما يعذبني هو أنني لا أحلم ليلاً أنني سأستيقظ صباحاً وأجدُ حذائي الأحمر في يدي أبي.
في منزلنا كنت أنام مبتسمة وأنا أنتظر رؤيته بين يديه، فأنا لا أريده من أحد غيره.
معلمتي الحبيبة
في منزلنا المتشقق، كانت أمي جميلة جداً، وكان أبي كذلك أيضا قبل أن يتحول لعظامٍ ممدة على السرير.
أتمنى أن نعود بسرعة حتى تعود أمي جميلة كما كانت.