ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أن أهم قصبات أو قلاع منطقة البحرين هما (الصفا والمشقر) قوله: “والبحرين هي الخط، والقطيف، والآرة وهجر وبينونة والزارة وجواثا والسابور ودارين والغابة”، قال: “وقصبة هجر الصفا والمشقر”.
بالرغم من أن مدينة هجر هي إحدى مدن منطقة البحرين إلا أن مسمى هجر طغى على مسمى منطقة البحرين فيلاحظ أن منطقة البحرين وقراها يشار لها في موارد كثيرة بمسمى هجر. وإن حصون البحرين (المشقر والصفا) يشار إليهم بحصون هجر وقرى هجر لهذا أشار الحموي بقوله “ناحية البحرين كلها هجر وهو الصواب”.
يقع حصن الصفا والمشقر بمنطقة الخط بهجر:
أوضح امرِؤ القَيْس في شعره أن هذان الحصنان يقعان في منطقة الخط بقوله:
فإنْ تَمْنَعوا مِنّا المُشَقَّرَ والصَّفا *** فإِنَّا وَجَدْنا الخَطَّ جَـمًّـا نَـخـيلُـهـا
وفي البيت السابق تحذير واضح من امرئ القيس لسكان أهالي هجر أنكم إن استطعتم التحصن في قلاعكم المشقر والصفا سنتمكن ونسيطر على نخيلكم ومزارعكم التي تجاور الحصنين في منطقة الخط.
حدود منطقة الخط التي يقع فيها حصن الصفا:
حدد ابن المقرب في شعره حدود منطقة الخط بقوله:
والخط من صفواء حاذوها فما *** ابقوا بها شبرا إلى الظهران
وبالتالي حصن الصفا والمشقر يقعان في منطقة الخط في أحد المواقع من صفوى حتى الظهران، بالنسبة لحصن المشقر فالمصادر التاريخية وروايات وفد عبد القيس (رواية تاريخ البسوي & ورواية مسند أحمد) كما الأحداث التاريخية التي جرت لحاكم الزارة المعروف (بالمكعبر) ومركز حكمه في حصن المشقر بقرية الزارة بالعوامية كثيرة حتى إن المكعبر كانت وفاته ونهاية أيامه كانت في المشقر بعد حصاره في مركز حكمه بقرية الزارة.
هناك احتمالان في تحديد موقع حصن الصفا:
الاحتمال الأول: حصن الصفا بمدينة صفوى
يرى المؤرخ محمد سعيد المسلم هذا الرأي، أن مدينة صفوى القائمة حاليا في أقصى شمال منطقة القطيف هي مدينة الصفا وفيها حصن الصفا، قال المسلم في كتابه ساحل الذهب الأسود: “لعل اسمها في الأصل مقتبس من نهر الصفا الذي يتخلج من عين محلم، كما أشار إليه ياقوت ـ وقد ذكرها لبيد في شعره:
سجف بمنسعة الصفا وسرية *** جم النوائل بينهن كروم
وفي قوله:
فرحن كأن الناديات على الصفا *** مذراعها والكارعات الحواملا
بذي شطب أحداجهم أن تحملوا *** وحث الحداة الناجيات الذواملا
ولعلها كانت مدينة من أهم المدن في هذه المنطقة كما يصفها ابن الفقيه بأنها قصبة هجر، وعين محلم هي العين التي تسمى الآن (داروش) التي يتفرع منها سبعة أنهر، وهي شهيرة بقوتها وغزارة ينابيعها” انتهى.
الاحتمال الثاني: أن حصن الصفا بالقرب من ساحل العزيزية
هذا هو رأيي بحسب ما قراته من روايات حيال موقع مدينة هجر وقربها من حصن الصفا كما أورد الحموي قوله: “المشقر حصن بالبحرين عظيم لعبد القيس يلي حصنا لهم آخر يقال له الصفا قبل مدينة هجر”.
وبالتالي حصن الصفا يقع قبل مدينة هجر وبناء على حساب المسافات الواردة في الروايات التاريخية تبين لي أن مدينة هجر تقع على البحر في أقصى ساحل الخط أو ما يعرف بساحل هجر من جهة الجنوب وحسب ما اطلعت عليه من الروايات أرى أنها تقع على ساحل العزيزية أو بالقرب من ساحل نصف القمر. معتمدا على روايات ذكر فيها المسافات بين هجر والقطيف وأحساء القرامطة ومنها ما ذكره المقريزي أن أحساء القرامطة تبعد عن مدينة هجر ميلان حيث قال: “وارتفع فنزل الأحساء وبينها وبين هجر ميلان فابتنى بها دارا، وجعلها منزلا، وتقدم في زراعة الأرض وعمارتها، وكان يركب إلى هجر، ويحارب أهلها، ويعقب قومه على حصارها” انتهى.
وما ذكره الرحالة المؤرخ ناصر خسرو الذي زار أحساء القرامطة وكتب بالتفصيل معالم هذه المدينة والمسافات التي تربطها بمحيطها، يقول خسرو: “وحين يسير المسافر من الحسا إلى الشمال سبعة فراسخ يبلغ جهة القطيف وهي مدينة كبيرة بها نخل كثير” كما يقول في موضع آخر: “ومن اليمامة (الخرج) إلى الحسا أربعون فرسخا” وأيضا يقول: “والبحر على مسيرة سبعة فراسخ من الحسا إلى ناحية الشرق فإذا اجتازه المسافر وجد البحرين” انتهى.
وقال الإدريسي في نزهة المشتاق (المتوفى سنة 560هـ) مرحلتان بين القطيف وأحساء القرامطة، (مرحلتان = ثمانية وأربعون ميلا).
وبناء على المسافات التي بيّنها المقريزي وكذلك ناصر خسرو وكذلك الإدريسي أرى أن أحساء القرامطة كانت تقع قبل مدينة أبقيق الحالية من جهة القطيف وتقع مدينة هجر على ساحل العزيزية وحصن الصفا بالقرب منها.
وقد سبق لي أن أوضحت موقع مدينة هجر حسب المسافات ويمكن الاطلاع على ذلك تفصيلا في كتابنا (ساحل القرامطة).
على كل حال هذه آراء قابلة للنقاش ولكن يبقى القول الفصل أن حصن الصفا يقع في منطقة الخط (من صفوى حتى الظهران) ويحتاج إلى تحقيق أكثر لمعرفة موقعه بالتحديد.