المسؤولية تجاه العائلة
برّ الوالدين
تقدم في الخاطرة السابقة الحديث حول أهمية وعظمة برّ الوالدين في الشريعة الإسلامية، وهنا سنتحدث فيها عن الآثار الدنيوية والأخروية لبرّ الوالدين وعقوقهما مختصرًا.
وسنستنطق الروايات الشريفة المروية عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين في ذلك.
آثار البر الدنيويـّةِ:
يبرّك أبناؤك:
فإذا أحسن الولد إلى والديه وعاملهما باللطف والشفقة عليهما، فقد أشارت الرواية المباركة إلى أنه ينال الهبة والمكافأة الكبرى، وهي برّ الأبناء إليه، وهذه بشارة إليه، فطوبى للبارّ بوالديه.
روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم وعفّوا عن نساء الناس تعفّ نساؤكم)).
يمدّ ويطيل العمر:
فمن أراد أن يطيل الله في عمره ويمده له في خير أن يصل ويوقرّ والديه وصلتهما وتوقيرهما من مصاديق البرّ بالوالدين، فقد يكون الولد مكتوباً في لوح المحو والإثبات أن العمر لفلان عشرون سنة مثلاً، فيبرّ والديه فيضاعف الله له عمره وكل ما أكثر في برّهما تضاعف عمره بمقدار برّه لهما وأيضا يرزقه الذرية الصالحة.
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: ((من سرّه أن يُمدّ له في عمره، ويُبسط رزقه فليصل أبويه وليصل ذا رحمه)).
وروي عن أحدهم عليهم السلام أنّه قال: ((وقّر أباك يطل عمرك ووقّر أمّك ترى لبنيك بنين)).
يخفف سكرات الموت:
وهذا التعبير هو تعبير قرآني قال تعالى: ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)).
الموت حق على كل مخلوق في هذه الخليقة والموت لا يستثني أحد دون آخر قال تعالى: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)).
وقد ورد تعبير آخر مشابه لسكرات الموت وهو غمرات الموت.
قال تعالى: ((… وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)).
وسكرات الموت: وسكرة الموت أو غمرات الموت هي الشدائد التي يلاقيها الميت قبيل موته وعند خروج الروح من الجسد، وهي حالة مصحوبة بالشدة لأن هذه الحالة لها تأثير كبير على روح الإنسان وجسده.
قال العلاّمة المقدس الشيخ الطريحي عليه الرحمة: قوله تعالى: ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ…)) أي شدته التي تغلبه وتغير فهمه وعقله كالسكر من الشراب.
وروى داود بن كثير الرقي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: ((من أحبَّ أن يخفِّف الله عزّ وجلّ عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً وبوالديه بارّا فإذا كان كذلك هوّن الله عليه سكرات الموت ولم يُصبه في حياته فقرٌ أبداً)).
يزيد في الرزق:
من الآثار الوضعية المباركة الزيادة في الرزق.
روي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله أنه قال: ((من سرّه أن يمدّ له في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه)).
آثار البر الأخرويـّة:
رضاهما السبيل إلى الجنّة:
إن بر الوالدين وطاعتهما مرتبط ارتباطاً وطيداً بالرضا والتوفيق من الله، فلا يمكن أن يوفق من هو عاق لولديه، فرِضا الوالدين عامل مهم من العوامل المدخلة للجنة التي كتبها الله للولد، حيث جعل الله له بابين مفتوحين، يعني بذلك لا حارس لهما يدخل في أي أحد منهما بدون سؤال.
روى في المستدرك عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ((من أصبح مُرضيًا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة)).
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: ((من برّ والديه طوبى له زاد الله في عمره)).
قبول الدعاء:
الله سبحانه وتعالى لا يحجب دعاء الوالدين لابنهما البارّ بهما فدعوتهما له مستجابة
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ((ثلاثُ دعواتٍ لا يُحجبن عن الله: دعاء الوالد لولده إذا برّه ودعوته عليه إذا عقّه ودعاء المظلوم على من ظلمه ودعاؤه لمن انتَصر له منه)).
حبّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله:
من أعظم وأجلّ ما يناله البارّ بوالدبه هو حب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
روي الشيخ الكليني عليه الرحمة عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام: ((إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتته أختٌ له من الرضاعة “١” فلمّا نظر إليها سرّ بها وبسط ملحفته لها فأجلسها عليها ثمّ أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها ثمّ قامت فذهبت.
وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها فقيل له: يا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل فقال: لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه)).
“١” – الشيماء بنت الحارث هي حذافة بنت الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدية ولقبها الشيماء من بني سعد من قبيلة هوازن، وهي أخت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من الرضاعة وإبنة حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وآله.
حجّة مبرورة:
روى في المستدرك عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((ما من رجل ينظر إلى والديه نظر رحمة إلّا كتب الله له بكلّ نظرة حجّة مبرورة.
قيل: يا رسول الله وإن نظر إليه في اليوم مائة مرّة؟
قال صلى الله عليه وآله: وإن نظر إليه في اليوم مائة ألف مرّة)).
((اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الْأُمِّ الرَّؤوفِ، وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وَبِرِّي بِهِمَا أَقَرَّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ، وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ، حَتَّى أُوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا، وَأُقَدِّمَ عَلَى رِضَايَ رِضَاهُمَا، وَأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وَإِنْ قَلَّ، وَأَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وَ ِنْ كَثُرَ.
اللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي، وَأَطِبْ لَهُمَا كَلَامِي، وَأَلِنْ لَهُمَا عَرِيكَتِي، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وَصَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً)).
لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.
