يمكن اعتبار 113.9 مليار ريال التي تم تحويلها من الموظفين الأجانب إلى بلدانهم خلال أحد عشر شهرًا من العام 2019 مبلغًا هائلًا، هكذا يزيد هذا الرقم على أربعة أضعاف رأسمال شركة سابك، وأكثر من ثلاثة أضعاف رأسمال البنك الأهلي، وأكثر من خمسة أضعاف رأسمال بنك سامبا، كما يكفي لبناء أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة وأكثر من مئة وعشرين مستشفى، وتوفير أكثر من مئة ألف وظيفة عن طريق استحداث شركات وأنشطة استثمارية، كل ذلك في عام واحد فقط.
بحسب إحصائية منشورة من الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، فإنَّ عدد السعوديين الباحثين عن عمل حتى نهاية الربع الثالث من 2019 هو 1,025,328، وأشارت إحصائية إلى وجود 1.7 مليون موظف سعودي مقيد في التأمينات الاجتماعية من أصل 8.1 مليون مشترك بنهاية العام 2019 م، وتقل رواتب نسبة 55 في المئة من هؤلاء السعوديين عن 3500 ريال بإجمالي عدد 927 ألف مواطن، وإذا ما علمنا أنَّ شرط التسجيل في التأمينات الاجتماعية هو أن يكون راتب السعودي 3000 ريال على الأقل، لكي يحتسب كموظف واحد في برنامج نطاقات، يمكن لنا ببداهة إدراك حقيقة أنَّ هذا العدد الكبير هو في أغلبه لسعودة وهمية هي في حقيقتها بطالة مقنعة، وعلى ذلك يمكن إضافة هؤلاء لعدد الباحثين عن عمل ليصبح العدد ما يقارب مليوني مواطن دون عمل حقيقي.
عند هذه النقطة أعتقد أنَّ أحد أهم أسباب الفقد المالي الكبير الذي يخرج من السعودية يعود لنقاط الضعف الكثيرة الموجودة في برنامج نطاقات، التي تختزل معايير توطين الوظائف في المعيار العددي فقط، في حين يمكن بإضافة معيار إجمالي أجور السعوديين إلى إجمالي أجور المنشأة أن تحقق غاية أساسية هي التوظيف الحقيقي الذي ينتج عنه انخفاض الحوالات الخارجية بشكل طبيعي.
يعني ذلك بمثال أنَّ فرض نسبة 50 في المئة من إجمالي أجور المنشأة للسعوديين سيجعل الشركات غير قادرة على استغلال السعوديين وهميًا، أو تشغيلهم في المهن الوضيعة في الشركة، وهكذا أمر يمكن له أن يشكل حائطًا منيعًا ضد التلاعب الكبير الذي يشهده القطاع الخاص في عمليات توطين الوظائف، يساعد في ذلك أنَّ الكفاءات الوطنية التي أسهمت في توفيرها البعثات التعليمية إلى أفضل جامعات العالم يمكن بالقليل من التأهيل إحلالها مكان غيرها.
في تصوري أنَّ أحد أهم أسباب التحويلات الكبيرة للخارج والتي تفوت فرصًا استثمارية هائلة على البلاد، هو التوطين الوهمي للوظائف، وبسبب نقاط الضعف الكثيرة في برنامج نطاقات، وأحد الحلول التي أجدها بديهية هو إضافة معيار نسبة أجور السعوديين في المنظمة، في اعتقادي أنَّ هذا المعيار سيصنع فرقًا واضحًا في التوطين، وأجد أنَّ المليون مواطن الباحث عن عمل، والمليون مواطن المقيدين برواتب أقل من 3500 ريال، سيتحولون لموظفين حقيقيين وليسوا مجرد أرقام وهمية لا يقدمون لاقتصادنا قيمة تذكر.
المصدر: آراء سعودية