خواطر لابد منها.. 1-13

إصلاح ذات البين

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}.

الإصلاح بين الناس الذي هو السعي لرفع الخلاف الذي يحصل أو الذي يقع بين المؤمنين بعضهم مع بعض.

وهذا الإصلاح وحلّ ورفع الخلاف بين المؤمنين مما لا شك أنه من أفضل الأعمال وأفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله عزّ وجلّ.

لذا يصفها الإمام الصادق صلوات الله عليه كما ورد في الكافي الشريف بأنها الصدقة التي يحبها الله، وذلك في قوله عليه السلام: “صدقةٌ يُحبها الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا”.

وروي في دعائم الإسلام والمستدرك: عن علي بن الحسين ومحمد بن علي (صلوات الله عليهما) أنهما ذكرا وصية علي (صلوات الله) إلى أن قالا: قال (عليه السلام): “وأوصيك يا حسن وجميع من حضرني وشيعتي بتقوى الله ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام”.

نعم مهما اتسعت وسمت المدارك العقلية وارتقت هذه البشرية في سلم الخُلق اللامتناهي، فأسباب الخلاف والمشاجرة لا تنتهي ولا حدّ لنهايتها بينهم.

الخلاف تارة يكون بسيطًا وهذا ما يكون حلّه سهلاً عادة، وأكثر ما يقع بين البسطاء من الناس، وتارة يكون معقداً، وهو ما يقع بين الطبقة الرفيعة من المجتمعات في السلّم الاجتماعي أو في المال وغيرهما، حيث تكون الأسباب التي توجب التباعد ببنهم معقدة وأكثر شدة.

ويعود ذلك إلى عدم التلاؤم بين ما تقتضيه الذوات، حيث ذات البشرية مختلفة، فذات هذا لا تتلاءم مع ذات فلان الآخر.

فإذا كانت ما تقتضيه الذوات عدم التلاؤم، فمن متى يبدأ الخلاف؟

نلاحظ أنَّ الخلاف أو عدم التلاؤم يبدأ من سن الطفولة وذلك بالوجدان، حيث نرى الأطفال يتنازعون على ملكية الشيء أو الخلاف على لعبة من اللعب.

ومع تطور الحياة، نجد أن الخلاف يتسع وأسبابه تتطور وتصل إلى الطبقة الرفيعة في المجتمعات إلى أصحاب الفكر، وأسبابه هو مجرد عدم موافقته لما يذهب إليه من فكر أو رأي ولا يتفق معه فيما يدين به من اعتقاد بما لا يتنافى مع ضرورة أنهم لا يتصارعون على شيء من حطام هذه الدنيا، لا لأن كل واحد منهم يؤمن بأن الرزق مثلاً لا يستطيع أحد سلبه من الآخر فهو من الله وهو من يقسم الأرزاق.

وأشارت الروايات الشريفة إلى ذلك:
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: “إن الله قسم الأرزاق بين عباده وأفضل فضلاً كبيراً لم يقسمه بين أحد قال الله: واسألوا الله من فضله”.

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: “الأرزاق موظوفة مقسومة، ولله فضل يقسمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وذلك قوله: {واسألوا الله من فضله}، ثم قال: وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض”.

إذاً سبب الاختلاف ما هو؟

سبب الخلاف هو عدم موافقته في ما يدين أو ما يذهب إليه أو يعتقد به، هذا هو نوع من الخلاف.

ولكن قد يقع الخلاف على أمر من حطام الدنيا بين الأخ وأخيه أو بين تاجر وآخر مثله مثلاً لمنافسة، لأن طبيعة المجتمعات تتنافس، وهذا عادة ما يؤدي للخلاف.

هناك اختلاف لعله حسن ولكن ليس هو محور هذه الخاطرة، كما لو وقع بين أهل الفسوق وتركوا مجالس السوء فهذا تارة يكون رحمة، حيث لو اختلطوا بالمؤمنين لاصطلح حالهم.

الكلام فيما لو وقع الخلاف بين الأخ وأخيه، بين الوالد وولده، بين الزوجين، هذا النوع من الخلاف مما لا إشكال فيه أنه من الخلاف الذي لا ينبغي وقوعه لأنه من الخلاف المضر، حيث يترك آثاراً سلبية في المجتمع أكثر من أي خلاف آخر.

من هنا الشريعة الإسلامية تصدت لرفع هذا الخلاف، قال تعالى: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، بالتوجيه إلى أصحاب الحكمة المحايدين لحل الخلافات كما لو حدث بين الزوجين، فإرسال الحَكَم من أهله والحَكَم من أهلها لحل النزاع وقد أشار القرآن إلى ذلك.

قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.

فأشارت الآية المباركة إلى بعث الحَكَمين، وذلك ليكون أبعد من الجور والتحكم هذا في حال إرادة الإصلاح فإن الله يوفق بينهما لأن سلب الاختيار من أنفسهما وإسناد الأمر للحَكَمين المرضيين من أصحاب الحكمة يوجب بذلك الوفاق بينهما.

وبماذا يكون الإصلاح؟

لابد وأن يكون الإصلاح بالطرق المشروعة.

نعم أجازت الشريعة الإسلامية في هذا المورد مقداراً من المخالفات وسمحت بها، وذلك في مقام الإصلاح كما لو وقع تنازع بين اثنين من الإخوة مثلاً وذهب شخص لأحدهما وأخبره أنه كان عند فلان وقال له إن فلان تحدث عنك بكل خير وقد أثنى عليك وعلى أخلاقك وقلبك الطيب، وما هذا الكلام إلا مختلقاً منه حتى يرفع ما في قلب هذا الأخ من حدة أو غلّ ليتمكن من التقريب بين المتخاصمين.

روى في الكافي الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: “الكلام ثلاثة: صدق، وكذب وإصلاح بين الناس، قال: قيل له: جعلت فداك ما الإصلاح بين الناس؟ قال: تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول: سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعت منه”.

مما لا إشكال فيه أن الكذب محرم في الشريعة الغراء، ولكن في هذا المقام هو من الكذب المباح بل فيه أجر ومثوبة لهذا المصلح.

روي عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السلام: “إن الكلام ثلاثة: صدق وكذب وإصلاح، فالصدق هو أن تنقل الشيء كما وقع، والكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، والإصلاح هو الكلام من أجل التقريب بين المؤمنَين المختلفين سواء كان مطابقاً للواقع أو مخالفاً للواقع”.

وفي المروي عن أحدهما الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السلام: “إن الله أحب الكذب في الإصلاح وأبغض الصدق في الإفساد”.

وروي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أنه قال: “لا كذب على مصلح”.

وروى في الكافي الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: “المصلح ليس بكذاب”.

بل لو نقل ما قاله الآخر من مذمة أو مسبة مع أنها مطابقة للواقع، وقد صدرت المذمة والمسبة فعلاً لوقع ما لا يحمد، هذا الأمر غير محبوب بل مبغوض في الشريعة الإسلامية، لأن الناقل قد أبعد القلوب عن بعضها البعض وحلّت البغضاء فسدّ باب التقارب والتآلف، ولذلك سمي النمّام.

بل شدّد بالنكير على فاعله، وذلك لصيانة المجتمع من التفكك لأنه إفساد لذات البين، ومكدِّراً لصفو العلاقات بين المؤمنين بل تعد النميمة من الكبائر.

قال سبحانه وتعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: “ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة”.

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: “الجنة محرمة على المغتابين المشائين بالنميمة”.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “لا يدخل الجنة سفّاك للدماء ولا مدمن للخمر ولا مشّاء بنميم”.

فلنعلم أحبتي أن التآلف بين المؤمنين غرض أسمى في الشريعة الإسلامية.

لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك، ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.


error: المحتوي محمي