الكثير من البشر يأتون لهذه الدنيا وربما يعمرون طويلا وبمجرد أن يرحلوا للعالم الآخر ينتهي ذكرهم ويختفي أثرهم ولكن هناك أشخاصًا يعجز الزمن عن محوهم من وجدان محبيهم وذاكرة مجتمعهم.
ونحن هنا لا نتحدث عن الأنبياء والمعصومين والقادة التاريخيين فهؤلاء لهم تاريخهم الحافل وسيرتهم الزاخرة بالعطاء بل حديثنا عن أشخاص كانوا يملكون كاريزما ساحرة وشخصية جاذبة مؤثرة بسبب ما يحملون من ملكات سامية ومؤهلات نفسية واجتماعية رفيعة تجعلهم محط أنظار محبيهم ومعارفهم وعلى رأس هؤلاء شخصيتنا ذو القامة الاجتماعية المميزة الملا عبدالمحسن بن عبدالله الخميس رحمه الله وأعلى مقامه والذي لبى نداء ربه بعد حياة حافلة بالعطاء لدينه ووطنه ومجتمعه.
الملا أبو محمد كان يملك نفسا تتميز بالبساطة مع الناس ووجهًا بشوشًا مع الصغير والكبير وله أسلوبه الخاص في توقير الكبار سواء الرجال أو النساء وجذب الشباب بابتسامته ودعاباته اللطيفة التي لا تخدش شعور أحد لذلك انجذب له الجميع فأحبهم وأحبوه.
الملا أبو محمد ذلك الرجل الذي خدم الناس عبر أكثر من نصف قرن منظما لحملات الحج والزيارة وكانت حملته العريقة للحج والعمرة في العوامية والمنطقة تعد من أشهر الحملات التي اكتسبت شهرة محلية وإقليمية بسبب وجود هذه الشخصية المحبوبة والتي كانت تتمتع بخفة الظل والأريحية وكفه المبسوطة بالعطاء للملتحقين بحملته دون استثناء لدرجة أن كل من انضم لحملته يوما لا ينسى تلك اللحظات التي قضاها مع هذه الشخصية المحترمة.
الملا أبو محمد لم يكن فقط حملدارا بل هو خطيب حسيني مفوه وقد أحيا الكثير من المجالس الحسينية سواء في منزله العامر أو أثناء حملات الحج والزيارة وكان دوما يبالغ في مستويات الاستقبال والترحيب لكل فرد من ضيوفه في مجلسه العامر الذي كان يستقبل فيه أحبته ومريديه طوال ليالي العام محييا فيه ذكر أهل البيت وناشرا فضائلهم ومآثرهم.
وهو وإن لم يكن متوجها بالكامل نحو الخطابة المنبرية ولكنه كان له أسلوبه الخاص والمميز في النعي الحسيني ولو أنه لم تشغله ارتباطاته بالسفر الدائم فربما احتل مكانا مرموقا في هذا المجال.
كان رحمه الله من المواظبين على صلاة الجماعة وعادة لا ينقطع عن الإتيان للمسجد إلا لسبب قاهر كما أن له مساهماته في وجوه الخير سواء فيما يخص مساعدات الجمعية الخيرية أو ما يخص المساعدات الخاصة المتعلقة برمضان والأعياد ولقد ساهمت مشاركاته في فك ضائقة الكثير من المؤمنين فهو كان رجل بذل وعطاء دون حدود واصلًا لرحمه عطوفا على الصغير والكبير.
والحديث في سيرة رجل مثله يحتاج للكثير من الوقت فهو يملك مسيرة طويلة مملوءة بالعطاء والخدمة الإنسانية والمجتمعية وهذه فقط عجالة مختصرة من سيرة حافلة.
لقد رحل خادم الحجيج الملا أبو محمد ولكن سيبقى أثره الطيب بين الناس وستبقى ذكراه العطرة عالقة في أذهان محبيه ممتدة عبر الزمن لعقود لأن الزمن أعجز من أن يمحو تلكم الصور الجميلة والسيرة العطرة لهذه النماذج المميزة وأن يوفق أبناءه البررة وهم الذين رباهم على مكارم الأخلاق ومحامد الخصال لإكمال مسيرته والاحتذاء بسيرته فهم خير خلف َلخير سلف.
رحم الله فقيدنا الكبير الذي سوف تظل سيرته العطرة مثالا تحتذي به الأجيال وتجربة ينهل منها أبناؤه ومحبوه حيث قل نظيره من الأخيار الأبرار.
وقد قال الشاعر:
ومن نوب الدنيا بقاؤك بعدما
إذا رحلوا أبقوك دون مشابه
فوجه إذا ما غاب تبكيه ساعة
ووجه تمل العمر بعد غيابه
وتدفن فيه بالثرى إن دفنته
وجودك إن المرء بعض صحابه
رحم الله فقيدنا الكبير وتغمده بواسع الرحمة والمغفرة والعتق من النار وحشره مع السادة الأطهار محمد وآله الأبرار..