خواطر لابد منها… 2-12

بسم الله الرحمن الرحيم

في الخاطرة السابقة تحدثنا عن ما عمله المولى جلّ وعلا في عالم الآفاق والأبدان.

نرى سبحانه وتعالى ترك لنا أمرا مهمًّا وصعبًا وهو عالم الأنفس تركها بيد المخلوق مع توجيهاته الإلزامية والإرشادية.

في هذه الخاطرة نشير مختصرًا لبعض مفردات ما ذكره الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في خطبته المباركة في آخر جمعة من شهر شعبان في استقبال شهر رمضان المبارك.

– قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): “وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ”.

ذكر الفقهاء أنَّ العبرة في الرحم بالصدق العرفي ولو كان بينهما وسائط كثيرة.

وصِلة الرحم من الواجبات وقطيعته من الكبائر بل آثار القطيعة ترى في الدنيا قبل الآخرة.

روى الوافي عن الكافي الشريف عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: “في كتاب علي ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبداً حتى يرى وبالهن: البغي وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإن أعجل الطاعة ثواباً لَصلةُ الرحم، إنَّ القوم ليكونون فجَّارًا فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون، وإنَّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها وتثقل الرحم، وإنَّ ثقل الرحم انقطاع النسل”.

وقال أمير المؤمنين (ع): “صِلوا أرحامكم ولو بالتسليم”، يقول الله سبحانه وتعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.

وعن الإمام الصادق (ع): “إنّ، صلة الرحم والبرِّ ليهوّنان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصِلوا أرحامكم وبرّوا بإخوانكم، ولو بحسن السلام ورد الجواب”.

– قوله صلى الله عليه وآله: “وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ”.

ينبغي على الإنسان أنْ يحفظ لسانه عن السب والغيبة والنميمة والبهتان لما لهم الأثر السلبي في بناء الإنسان وتكامله وبناء مجتمع يسوده المحبة والألفة بحفظ اللسان حفظًا لبناء ورقي
المجتمع إلى الصلاح.

ومن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سمع قومًا من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفين:
“إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ….”.

قال الله تعالى ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}.

روى الشيخ الصدوق في أماليه عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: “أَربَعةٌ لا يَدخُلونَ الجَّنَّةَ، الكّاهِن، والمُنَافِق، ومُدمِنُ الخَمْرِ، والقَتَّات، وهو النَّمَّام”.

ومِن وصايا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): {أَلَا أُخبِركُم بِشِرَارِكُم؟ قالوا: بَلى يا رَسُول الله، قال: المَشَّاؤون بالنَمِيمة، المُفرِّقُون بَينَ الأَحِبَّة، البَاغُون لِلبرآء عَيب}.

والنميمة هي نقل الأحاديث التي يكره الناس إفشاءها ونقلها من شخص إلى آخر، نكاية بالمحكى عنه ووقيعة به.

بل هي من قبائح الأخلاق المنهي وهي من الفواحش وقد جاء الوعيد عليها بالنار في القرآن الكريم.

قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}.

وحيث النميمة هي نوع من الفواحش فقد جاء الوعد عليها بالنار يوم القيامة في القرآن. بل تعتبر من كبائر الذنوب:

قال الله تعالى اسمه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُون}.

– قوله صلى الله عليه وآله: “وَتَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ”.

اليتيم هو الذي فقد أباه قبل بلوغه وبهذا الفقد قد فقد العطف والحنان، والتحنن على اليتيم هو الترحّم والتعطّف عليه والأخذ بيده حيث بهذا الفقد سيتعرض إلى معاناة نفسية ومآس يحتاج إلى رعاية خاصة ليتجاوز هذه المرحلة.

فإفراد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) شطرًا من خطبته المباركة لرعاية الأيتام فما بالك باحتياجاتهم المعيشية من مأكل وملبس وحيث نعيش في هذا الشهر المبارك حيث تزداد فيه المصارف لكثرة المتطلبات.

فقد ورد الحث من قبل الشريعة الغراء على العناية الخاصة باليتيم بل أشارت إلى الجزاء المترتب على الإكرام والعتاب على من يهمل ذلك.

وفي وصية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وهو مسجى على فراش الموت أشار إلى العناية بالأيتام حيث قال: الله الله في الأيتام لا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: “من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار”.

– قوله صلى الله عليه وآله: “وَمَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ”.

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة”.

(هاتين عنى بهما: إصبعيه الشريفين الوسطى والسبابة).

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله)  أنه قال: “من مسح يده على رأس يتيم، ترحماً له، كتب الله له بكل شعرة مرت يده حسنة”.

وفي رواية أخرى: “قصراً أوسع من الدنيا بما فيها، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون”.

وفي رواية أخرى: “من عال يتيماً حتى ينقطع يتمه أو يستغني بنفسه أوجب الله عز وجل له الجنة، كما أوجب النار لمن أكل مال اليتم”.

بل عاتب من لا يهتم بإكرام اليتيم في قوله تعالى:  {كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}.

ومن القربات العظيمة عند الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الكريم إفطار الصائم ومن يفطر صائما جزاؤه عند الله عظيم وما أحوجنا في هذا الوقت الذي تمرّ به الأمة من وباء حلّ بها فقد تقطعت سبل العيش عن كثير من الناس الذين يقتاتون عيشهم بشكل يومي وهم لا يستطيعون حتى الخروج من منازلهم ونحن في شهر الله الكريم فينبغي لنا الالتفات إليهم ونحن لا ننكر ما يقوم به المؤمنون وما تقوم به الجهات المعنية ولكن ننظر إلى ما ذكره الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من ثواب عظيم لذلك.

قال: “أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عِتْقُ نَسَمَةٍ وَمَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ”. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَيْسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ (صلى الله عليه وآله): “اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ”.

أشار الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى أمر مهم وهو جزاء من فطّرَ صائما له عند الله عتق نسمة وعتق النسمة لها جزاء عظيم عند الله وقاية من النار وله مغفرة من الله سبحانه وتعالى فجعل إفطار الصائم بمنزلة الاستغفار من الذنوب والمعاصي وبذلك يكون الله سبحانه أشد فرحاً ومَن يغفر الله له يُنزل عليه الخيرات والبركات وبذلك أشارت الروايات الشريفة:

عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رسول الله (صلى الله عليه وآله): “مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَوْ مُسْلِمَةً وَقَى اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ”.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: “الله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله تعالى أشدّ فرحًا لتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها”.

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع قال: وما من أهل قرية يبيت وفيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة”.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال لأصحابه: “ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله، فقال: من فضل طعامكم ومن فضل تمركم وورقكم وخلقكم وخرقكم، تطفئون بها غضب الرب”.

فينبغي لكل إنسان أنْ يهذب ويزكي ويطّهر هذه النفس ليكون من أهل الفلاح.

قال تعالى في كتابه العزيز: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.

لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.


error: المحتوي محمي