لقمان والحكمة

من هو لقمان الحكيم؟
تذكر المصادر أن لقمان المذكور في السورة هو: لقمان بن ناعور بن ناحور بن تارخ وابن آزار، وهو ابن أخت نبي الله أيوب عليه السلام، أو ابنة خالته، وقيل إنه ابن أخ نبي الله إبراهيم.

تجمع الروايات على أن لقمان كان على خلق، صالحاً، غاض البصر، كف اللسان، وفي العهد، حافظ الجار والود، مؤدي للأمانة، تارك ما لا يعنيه، وكان ذا عبادة، وحكمة عظيمة، سكيتاً، طويل التفكر، عميق النظر، لا يتحدث إلا لحكمه، عادلًا ذا فطنة، وعلم وحلم، مداوم على شكر الله، هذه شهاده القرآن له بذلك.

دخل لقمان على نبي الله داود “ع” وهو يسرد الدرع وأراد أن يسأله، فأدركته الحكمة فسكت، فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت، قال: الصمت حكمة، وقليل فاعله، فقال له داود عليه السلام: بحق ما سميت حكيماً.

بحار الأنوار
لقد كان لقمان عبداً ليس حراً، كان عبداً حبشياً، أفطس، شديد السواد، مصفح القدمين متشققتين من شده العمل، و كان عظيم الشفتين، وهو من الحبشة، وقيل من النوبة، وقيل من سودان مصر، كان في عهد سيدنا داود، أوتي حكمة حتى صار علماً في بني إسرائيل بحكمته وأدبه وخلقه، فتمتع بقدر عالٍ من الاحترام في مجتمعه، وبمنزلة رفيعة بين أقرانه، قيل إنه عاش في مصر، وقيل في اليمن، وقيل في بلجرشي.

قيل للقمان عليه السلام: ألست عبد آل فلان، قال: بلى، قيل: فما بلغ بك ما نرى؟ قال: صدق الحديث وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني، وغض بصري، وكف لساني وعفة طعمتي.

ما معنى الحكمة؟
جاء في المعاجم اللغوية أن معنى الحكمة: هي المنع، حيث تمنع من الجهل.

قال ابن منظور: الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، : لمن يحسن دقائق الصناعات وينقلها إنه حكيم، وفي تاج العروس: الحكمة العلم بحقائق حقائق الأشياء على ما هي عليه والعمل بمقتضاها.

وفي تعريف للحكمة: هي عين العقل والصواب والفهم والفطنة والمنطق الذي يتعظ به ويتنبه به ويتناقله الناس لهذا السبب، وفي تعريف آخر: أنها الفقه في الدين والإصابة في الحكم وموافقة الحق والنجاح في وضع الأمور في نصابها بلا مبالغة ولا تقصير.

قد يعتقد الناس أن الحكمة تأتي فقط لكبار السن وذلك لخبرة السنوات، وهذا غير دقيق لأن الحكمة عطاء رباني يعطيه من يشاء {لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ} آل عمران 164

علاقه الحكمة بـ:
الحكمة والنبوة

الحكمة من أساسيات النبوة وقواعدها، والله سبحانه وتعالى أعطاها لأنبيائه جميعاً {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ} آل عمران 81.

فالحكمة لازمة للنبوة التي تقتضي بالضرورة الدعوة إلى الله بالعقل وسلامة التصرف والقدرة على معالجة المواقف بمقدار ما تحتاجه مصلحة الرسالة والنبوة (كاد الحكيم أن يكون نبياً)، ومع ذلك الحكمة ليست موقوفة على الأنبياء، بل هي أفضل كرامة من الله يعطيها لمن يشاء من عباده.

علاقة الحكمة والعلم
الحكمة تجعل الإنسان أكثر علماً بجهله، مما يجعله يستشعر ضرورة الطلب المتواصل لكسب المزيد من العلم والمعرفة، فالعلم والحكمة لا يفترقان، وإذا افترقا فإن العلم يخرج من كونه علماً إلى كونه وسيلة دمار وفساد في الأرض، لذا لا نحصل على الحكمة ما لم نحصل على العلم والمعرفة.

الحكمة وحفظ اللسان:
حفظ اللسان يعني أن يعيش الإنسان بسلام وسعادة وقد سلم الناس من لسانه، وسلم هو من ألسنة الناس، فلا يُحمّل الإنسان خطايا اللسان من غيبة ونميمة وقذف وذم ولمز وهمز، لأنه إن حفظ لسانه صانه.

العلاقة بين الحكمة والتربية
الحكمة في الجانب التربوي لها جانبان:
تكميل للنفس وتكميل للآخرين في إصلاح النفس وإصلاح الآخرين والأهم في الإصلاح هم الأولاد.

– من الحكمة في التربية أن يعمل المربي بما يقول فلا يربي إنساناً على نهج وهو مخالفه.
– من الحكمة إذا أمرت بشيء فلابد أن تبين السبب لذلك الأمر – من الحكمة في التربية (أدب نفسك قبل أن تؤدب غيرك).
– من الحكمة في التربية استعمال الكلمة الطيبة في التربية، فهي مؤثرة تفتح القلب لقبول النصح، بالإضافة إلى أن الكلمة الطيبة تزيل الحاجز بين الأبناء والآباء.
– من الحكمة في التربية أن يعلم الوالدان بأن لكل فترة زمنية شروطها، وأوضاعها، وجيلها الخاص، ولكل جيل أعرافه، وخصوصياته، وهذا ما يدرأ حدوث الخلل بما يسمى اختلاف الأجيال.

الحكمة والعبادة
قال الله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، هذا هو هدفي الخلق، لكن حين يسير الإنسان في طريق التيه والبعد عن الدين في جميع جوانب حياته، فإن هذا مناقض للحكمة التي من أجلها خلقنا، والتي هي وضع الشيء في مكانه الصحيح، فقد خلقنا الله لعبادته، ولم يخلقنا عبثا حتى نعيش العبثية في حياتنا.

الحكمة والصبر
الصبر من صفات المؤمنين الأخيار، فكل الأخلاق الفاضلة تدور عليه، ولو فتشنا وراء كل خلق جميل فإننا نجد الصبر قد زينه، ونرى كيف علق القرآن الفلاح عليه {وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا}.

الصبر من الضرورات التي لا انفكاك للإنسان عنها، فلا نجاح في الدنيا إلا بالصبر، ولا فلاح في الآخرة إلا بالصبر، من هنا لا نجد إنساناً صبوراً إلا ورأيته حكيماً عليماً.


error: المحتوي محمي