حتى وقت قريب كان هناك دور أمني مسند من الدولة حفظها الله، إلى رجال في زي مدني من أهالي الحي أو البلدة يجوبون الشوارع والأسواق لحماية الحي ليلاً.
هم رجال آمن عرفوا بـ”العسس”، وكان العمدة حينذاك هو الشخص الذي له دور مهني في التعريف وتزكية الأشخاص لتلك المهمة الأمنية الحساسة والخطرة في نفس الوقت، حيث الأشخاص وهم يقومون بعملهم وواجبهم، لا يملكون في الدفاع عن أنفسهم غير العصي وصافرة الإنذار، واستخدام كشاف الضوء اليدوي وكان من قبل الفانوس للإنارة، وقيل يكون في حوزتهم الحبال لكتَف وربط المجرم، وفي حالة الاعتداء عليهم لا سمح الله من المتسللين ليلاً للسرقة أو ما شابه ذلك.
العمدة، وهو المسمى المستحدث بعد أن كان يعرف قبلها بالمختار لفترة من الزمن، وقد كان لوالدي المرحوم الحاج منصور محمد الخرمدي (عمدة تاروت وتوابعها سابقاً) شرف العمل في كلتا الفترتين بهذه المهنة، مختاراً لمدة أربع عشرة سنة ثم عمدة بعدها لتبلغ خدمته الفعلية أكثر من أربعين عاماً حتى تاريخ تقاعده بناءً على طلبه لظروفه الصحية (رحمه الله).
وكان العمدة يتحمل على عاتقه، إضافة إلى ما يقوم به من مهام في المجتمع من دور اجتماعي وإنساني كبير تمثل في حل النزاعات والخلافات التي تنشب بين قاطني البلدة، ومهام أخرى كثيرة منها التعريف بالأشخاص للأحوال المدنية والوظائف الحكومية والكفالات والعمل على تصريف شؤون الأهالي ومهام أخرى كثيرة.
فكان للعمدة دور لم يكن خافياً على البعض، فهو من يتولى زمام الأمور في مساعدة رجال العسس وتفقد أحوالهم ليلاً، وهذه المهمة صعبة وتتطلب الصبر والحنكة والشجاعة، وهي تأتي في الإطار الأمني الملزم والموكل إليه، أضف لذلك دوره الفاعل بين الجهات الأمنية والمواطنين، إذ كانت تقع على عاتقه ومن ضمن صلاحياته وحصراً تكليف الأشخاص بالحضور لمراكز الشرطة عند استدعائهم.
وكثيراً ما يقوم بتحمل المسؤولية بإنهاء الموضوع وإغلاق البلاغ بعد الصلح بين الطرفين من غير حضورهم، خاصة إذا كان الخلاف بين الجيران أنفسهم، وبإشرافه الشخصي وكثيراً ما يحدثني من الأهالي أطال الله في أعمارهم، ممن عايشوا تلك السنوات بقصص جميلة من الواقع حينذاك، وحيث كان العمدة يعد الجهة المقابلة لمراكز الشرطة، والذي ينبغي التنسيق معه في كل ما يتعلق بالمواطنين.
إضافة ومن ضمن متطلبات المنصب أن للعمدة صلاحيات اجتماعية وإنسانية عظيمة تتمحور في واقعها حول الاهتمام بالشأن العام، ومن هذه الصلاحيات أنها في أحد جوانبها تتركز على الحالات الصعبة للفقراء وأصحاب الاحتياجات وأصحاب المهن محدودة الدخل التي لا تسد حاجة الأسرة، والرفع بها للجهات المعنية لتقديم العون والمساعدة، وهي التي عرفت وقتها بـ”الشونة”، أي الشؤون الاجتماعية.
وكان من يُعرف بالمسجلين لدى الضمان الاجتماعي من كبار السن رجالاً ونساءً، إضافة إلى الأرامل والمطلقات وذوي الاحتياجات الخاصة (أصحاب الهمم) والأيتام، تعريفاً شخصياً كل على حدة قبل استلام المعونة نقداً حينها “الشونة”، وقيامه بإحضار المتأخرين لأسباب مرضية في أوقات أخرى تحدد بجدول من الإدارة، وبالرغم من صعوبة الظروف في تلك الفترة، من حيث الإمكانيات والمواصلات.
كان العمدة ينهض بدور اجتماعي وتعريفي، فدوره لا يقل أهمية عن شيخ القبيلة، الذي يلتف حوله الأهالي ويقوم بخدمتهم وتذليل الصعاب وإيجاد الحلول لها ومن غير أن تصل إلى الدوائر الحكومية مصلحاً اجتماعيا برضا وقناعة من الجميع، كما أن للعمدة حضوراً دائماً في وسط مجتمعه في أفراحهم وأحزانهم والعمل على توثيق الروابط بينهم.
وكان لرجال “العسس” متناول حديثنا، من العلامات البارزة، وإعلان للحضور الأمني الملازم طوال ساعات الليل وسكونه والليالي الرمضانية المباركة والشيقة آنذاك، لها خصائص وإثارة شعبية ممتعة، وروح مرنة وحكيمة في حفظ الأمن والانضباط العام.
سقى الله ذاك الزمان الماضي ورحم رجالاته الذين أبلوا بلاءً حسناً، واوفوا وأخلصوا في خدمة دينهم ووطنهم ومجتمعهم، وحفظ الله هذه البلاد الغالية من كل بلاء ومكروه.