نتمسّكُ في حياتنِا بالكثيرِ من العاداتِ والأماكن والأشخاص الذين يعنون لنا الشيء الكثير، وربمّا نتعدّى مرحلةَ التعلُّق إلى أبعد من ذلك وأعمق، فيغدو ذلك (الكرسي، الطاولة، الدولاب، الأواني) وممتلكاتٌ أخرى لدينا حالةً خاصةً جدًّا فينا لا نستطيعُ التخلّص منها، ويصبحُ ارتباطُنا بها أحيانًا كارتباطنا بالبشر من حولنا، فتبديلُها غيرُ ممكن، والاستغناءُ عنها مستحيل.
وَ(هي) فنانةٌ من طرازٍ خاص، فهي ابنةُ القطيف التي تنتمي لخامةِ أبنائها المُبدعين الذين يُوجِدون الإبداع من اللاشيء، اختارت أن ترسمَ لها منهجيةً بملامح خاصة لا تشابهها سوى (هي) فقط، فبدأت مشوارها باستعادة الحياة لأثاثٍ عزيزٍ لديها أوشكَ على الدخول لمرحلة الاحتضار، فحاولت إعادة الحياة لهُ من جديد، بل وجعلتهُ في عنفوان شبابه.
هذهِ الحياة التي أهدتها “أسماء محسن الغريب” لأثاثِها القديم لم يكن فنّها الوحيد فحسب، لكنّهُ إضافةٌ مختلفة من إضافاتها لفنّ القطيف، وبصمةٌ أخرى من بصماتِها المُميّزة.
ًseba art
بدأت أسماءُ الغريب خرّيجة الكيمياء تجربتَها الفنية منذُ قرابة أربع سنوات، تعطّشت للفن وعشقت كلّ أنواعه،ومالت لأيِّ جديدٍ وغريبٍ فيه.
وكبداية كلِّ الفنانين تعثرّت قليلاً فأُحبِطت وتحدّت نفسَها في التطوير وإثبات الذات ومواجهة الصعوبات وتخطتّها بخطىً ثابتة حتى استطاعت أن تصنع لاسمها مشروعها الخاص seba art
20 لوحة
رسمت ريشةُ الغريب لوحتَها الأولى التي فجّرت قريحتَها الفنية، لتتوالى اللوحات من بعدِها حتى وصلت إلى 20 لوحة، وكانت أقرب اللوحات لقلبها اللوحات التي شاركت بها في معرض “صنعتي” بالظهران.
وهي تستخدمُ خاماتٍ كثيرة لإنتاج لوحاتها منها: الكانفاس والخشب بأنواعه والريزن والفخاريات وغيرها، ويحتلّ الكانفاس والريزن المرتبة الأولى بصورة متساوية في أفضلية العمل بهِما لديها.
وتفضّل من بين أعمالها اللوحات التي رسمتها باللون الأسود ولوحات وجوه كبار السن؛ فهي لوحاتٌ ناطقة برغمِ صمتها تعبّر عن أفكار منوّعة وعميقة لا عشوائية، والجمال يكسُوها من كل النواحي، وتترجمُ تعابيرها وهي في حالةِ سكونٍ تام لكلّ من يراها – على حدّ وصفها.
استرخاءٌ خاص
أوقد حُبّ الحياة فكرةً جديدةً في بال الغريب، فكان هذا الحُب داعيًا لها باستمرار لإيجاد أفكارٍ جديدة تضفي الحياة للمنزل ولكلّ مكانٍ يُنشدُ فيه الاسترخاء الخاص.
وقد كانت طاولات الريزن هي أكثر التحديات لأعمالها، فأبدعت في فكرة طاولات الخدمة وطاولات الأركان، باستخدام فن الترخيم القديم للوحات والطاولات، الذي تمّ تحديثهُ بالعديد من الأفكار الجديدة، فاتّخذت من وجه الطاولة موديلها الخاص الذي تتفننّ فيهِ بماكياجِها الخاص عبر استخدام صورة ودمجها مع السطح بالألوان والنقوشاتِ والرسوماتِ والكلمات، حتى تخرجَ من تلك الطاولة الصمّاء قصيدةٌ من جمالٍ يتغزّلُ بها كلُّ من يراها، كما لعبت في استخدم الخشب الطبيعي بمقاسات مختلفة، بوضعها في قالب وصبّ مادة الإيبوكسي، فتنتج منهُ طاولة كاملة مع تركيب أرجل تناسب الطلب.
ويستغرقُ عملُها في إنجاز الطاولة ما يُقارب الأسبوع، وتحرصُ على عرض أفكارها للزبون ممازجةً أفكارها مع أفكارهِ لإيجاد الترتيب المعين وأخذ القياسات المناسبة له، والبدء في الترتيبات استعدادًا للبدءِ في العمل.
إحياء الذكريات
يتعلّقُ الكثير من الناس بأثاثِهِم القديم لما يحملهُ بين ثناياه من ذكرياتٍ رائعة ومميّزة لهم، فصمّمت الغريب على إحياء ذكريات الناس الذين يرغبون بالاحتفاظ بأثاثهم ويرغبونَ في ذاتِ الوقت بأثاثٍ عصري يتماشَى معَ تطوّر الحياة ومستجدات ديكور المنازل، فخرجت بفكرةِ تجديد الأثاث التي هوتها منذُ الصغر، وإعادة الحياة إليه وتحويلهِ إلى قطعةٍ فنيةٍ حديثة، فأصبحَ بإمكان كل من يعزّ قطعةً من أثاثهِ أن يحافظَ على قطعتهِ المحبّبة لقلبهِ مع لمساتٍ من الحداثة والتجديد.
فخاريات
أضافت أسماء أفكارًا جديدة وملمسًا جديدًا للفخار والخزف، تبدعُ من خلالهِ، وبألوانها وريشتها جعلت الفخار فنًّا لا يمكنكَ مغادرته دون دهشةٍ وإعجاب، فالعمل على الصحون الفخارية متعةٌ مختلفة لديها، لأنها من خلالهِ توجدُ أفكارًا تُحاكي العصر الجديد والديكورات الحديثة.
100 مليونيرة
شاركت الغريب في مبادرة 100 مليونيرة، التي حملَ مشعلَها رجلُ الأعمال المعروف سعيد الخباز واستهدفت تأهيل وتدريب 100 سيدة أعمال لمساعدتهن في أن يصبحن مليونيرات في المستقبل، وتشارك أسماء تجربتها هذهِ لـ«القطيف اليوم» فتقول: “يعجزُ الكلامُ حقيقةً في وصف مبادرة 100 مليونيرة، هذهِ المبادرة الرائعة بقيادة رجل الأعمال الأستاذ سعيد الخباز الأب والمعلم وبقية أعضاء المبادرة الكرام دون استثناء الذين أحملُ لهم بداخلي مشاعر التقدير والعرفان والمحبة، فمنذُ انضمامي لهم وأنا في تطورٍ مستمرّ، ولا يُمكنني وصف جهودهم ومحاولاتهم الجادّة والصبورة لنقل المشاركات إلى المستوى التالي وصقل شخصياتهن العملية وقدرتهن على إدارة مشاريعهن؛ لتمكين المرأة السعودية في المجتمع وتعزيز ثقتها بنفسها بكل اقتدار”.
وتضيف: “إن زوجي وأختي هما الراعيان الرسميان لموهبتي، وكذلك أفراد عائلتي الذين أمدوني بالدعم الحقيقي، ولكنّ الراعي الداعم بالأفكار والتطوير وكل ما هو مفيدٌ لي ولمشروعي هم أصحاب مبادرة 100 مليونيرة”.
صنعتي وتراث
ساهمت الغريب في معارض وملتقيات مختلفة، فقد شاركت لسنتين متتاليتين في معرض “صنعتي” بالظهران، ومعرض “في تراث الصحراء” بالخبر، وتمت دعوتها كذلك لمعرضٍ نظّمهُ مجمع الملك فهد العسكري التابع لوزارة الدفاع بالظهران.
وحول تفكيرها في إقامة ورش عمل ودورات لمن عندهم ميول فنية مثلها، أجابت: “جار دراسة الفكرة في الوقت الحالي”.
متألقون
وتذكر أبرز الفنانين الذين يعجبونها وتتابع أعمالهم خصوصًا فناني مملكتنا الحبيبة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: الفنان محمد اليامي المبدع والمتألق دائمًا في الخط العربي والرسم، وعبد العزيز السبيعي الفنان التشكيلي المتميز الذي يسعى لخدمة الفنانين، والفنانة التشكيلية المتميزة أيضًا فرحة آل سالم، والفنانةالرائعة سمية الخنيزي، وهي ترى أنّ القائمة طويلة، ولا يسعها ذكر جميع المتألقين منها.
online
أعادت الغريب ترتيب أفكارها في فترة الحجر المنزلي، فانضمّت لدورات الأون لاين، التي من شأنِها رفع مستوى الأعمال المقدّمة للزبائن والبحث عن أفكار جديدة وسط مكانها الخاص، فتعمل بهدوء وتستمع للموسيقى، فمرسم الفنان هو مكانهُ وملاذهُ الخاص جدًّا، وفوضى مرسمها تجلب لها الراحة النفسية والشعور بالأمان والانتماء بالنسبة لها.
عُزوف
وحول عزوف الناس في وقتنا الحاضر عن اقتناء اللوحات الفنية لارتفاع أسعارها، في مقابل إقبالهم على شراء الملابس والمقتنيات الغالية ختمت الغريب حديثها بقولها: “لابُدّ أن نخلق تذوق الفن واقتناء العمل الفني في نفوس أبنائنا بحثّهم على حضور المعارض الفنية، وإشراكهم في دورات فنية تناسب أعمارهم، وزيارة المتاحف برفقتهم من شأنهِ تعريفهم بتاريخ الفنون وتعويدهم على تذوق الفن وصقل مواهبهم الفنية لإيجاد فنون بصرية في كل بيت”.