حلم أخضر  

حينما كنا صغاراً دائماً ما كان الناس يسألوننا سواء بالمدرسة من قبل المعلمين أو غيرهم ممن هم أكبر سناً منا؛ ماذا تريد أن تصبح حين تكبر؟

هذا السؤال ونحن في عمر الزهور كان دائماً ما يفتح لنا آفاق المستقبل ويجعلنا نطرق أبوابه بشوق ولهفة ونتسابق للإجابة عن ذلك السؤال، والمضحك أن جميعنا يجمع على رغبته أن يكون طياراً أو طبيباً أو مهندساً.

بعد أن كبرنا أصبحنا نحتاج كثيراً إلى أسئلة مشابهة نطرحها على أنفسنا، والسبب أن الأسئلة العميقة تعتبر أحد محركات التفكير الإبداعي لدى الإنسان، وذلك ببساطة لأن الأسئلة العميقة تقود في الغالب إلى إجابات عميقة، والعكس الأسئلة السطحية أو الركيكة إن صح التعبير تقود في الغالب إلى إجابات سطحية.

يكبر الإنسان بسرعة وتكبر معه أحلامه وأمنياته وتطلعاته، فيعيش في هذه الحياة على أمل أن يتحقق ذلك الحلم يوماً ما، المحبط أن نسبة قليلة من البشر لا تتجاوز 10% هم من يحققون أحلامهم فقط حسب الإحصائيات، وذلك لعدة أسباب منها عدم واقعية الهدف و… و… هذا الموضوع قتل بحثاً وتنظيراً وأصبح في الغالب مجالاً لكسب المال وجمعه، ولا داعي للإطالة فيه.

هنالك باعتقادي أسئلة هامة وواقعية في ظاهرها البساطة ولكن في باطنها العمق لكل حالم يتطلع للمضي قدماً لتحقيق أهدافه وطموحاته، وبالتالي خدمة مجتمعه وتقديم الإضافة للآخرين بعيداً عن التنظير.

1. اسأل نفسك: لماذا أرغب بالنجاح؟؟
فتش بداخلك عن الأشياء التي تجعلك تصحو باكراً وتنام في ساعات متأخرة، فتش بداخلك عن الأشياء التي تجعلك أحياناً تضحي بالكثير من المناسبات الاجتماعية (هل هناك أشياء من هذا القبيل بداخلك؟ ممتاز، اكتبها).

2. اسأل نفسك: ليش لا؟؟
ما هو أعلى علو ممكن أن تصل إليه، ماهي أطول مسافة ممكن أن أقطعها، كم بطولة ممكن أن أحققها، كم كتاب ممكن أن أقوم بتأليفه وغيرها (اكتبها).

3. اسأل نفسك: ليش مو أنت!!!
أنت تتابع مشاهير السوشيل ميديا وهم يحققون أحلامهم، لماذا تكتفي بمنظر المشاهد أو الراكب؟ لماذا لا تكون في موقع من يصنع الحدث؟ (اكتب ما هي الموانع).

4. اسأل نفسك: ليش مو الآن!!!
لماذا التسويف والانتظار والمماطلة؟ ماذا تنتظر؟ الحياة أسرع مما تظن والعمر قصير جداً، واحد اليوم أفضل من اثنين بكره.

نموذج البندول (بندول الساعة) رائع لتقريب الفكرة: كلنا يتذكر تلك الساعة الموجودة بداخل ذلك الصندوق الخشبي الضخم بني اللون، وذاك الخيط الذهبي المعلق في نهايته قرص دائري يعرف بـ”الرقاص” أو البندول الذي يتراقص يميناً وشمالاً على رأس كل ساعة مصحوباً بصوت الرنين العالي، ما يهمنا في حركة البندول القوس الذي يصنعه ذلك البندول كلما تحرك يميناً أكثر ارتد شمالاً أكثر بنفس القوة حسب قوانين الفيزياء الطبيعية.

دائماً يرغب الإنسان أن يتواجد في الجهة اليمنى من البندول جهة الإيجابيات (متعة أكثر، نجاح أكثر، ربح أكثر، قبول أكثر)، ولا يرغب أن يتواجد في الجهة المقابلة الجهة اليسرى من البندول جهة السلبيات (ألم أكثر، فشل أكثر، خسارة أكثر، رفض أكثر)، وهذا خلاف قوانين الفيزياء الطبيعية.

بقدر ما أرغب في الربح الوفير قد أتعرض للخسارة يوماً، وبقدر إصرارك على النجاح قد تتعرض للفشل يوماً آخر، بالتالي مخاوف الإنسان وأوهامه وأحياناً وساوسه تجعله يبني بمخيلته داخل عقله حوائط دفاعية (جدران صد) كي يمنع كل شيء سيئ من أن يصل إليه (السلبيات)، ومن غير أن يشعر بالمقابل يبنى أيضاً جدران صد لا إرادية تجاه الإيجابيات تمنع كل جميل من الوصول إليه، وذلك لأن الحائط الأول الذي بني جعل حركة البندول غير طبيعية فتتشكل منطقة بينهم تعرف بمنطقة الارتياح نحن من صنعناها بإرادتنا.

لكل منا منطقة ارتياح خاصة به (هوايات معينة يحب ممارستها، أكلات معينة يحب تناولها، مطاعم معينة يفضلها، أصدقاء محددون وأماكن يعشق التواجد بها)، تخيل نفسك وأنت تمارس هوايتك المفضلة وبعدها تأكل وجبتك المفضلة وبجوارك صديقك المفضل، وذلك في مكانك المفضل لمشاهدة فريقك المفضل، يا ساتر عندها ستكون في منتهى السعادة وستكون ليلة من أحلى ليالي العمر بالنسبة لك، والسبب في ذلك أنك داخل منطقة الراحة بالنسبة لك.

تخيل معي مرة أخرى أن أهدافك و طموحاتك وأمنياتك التي ترغب بتحقيقها تقع خارج تلك المنطقة من اكتساب مهارات جديدة على مستوى الوظيفة، أفكار سلبية تود التخلص منها، إنقاص وزنك كي ترى نفسك لائقاً بدنياً أياً، كانت تلك العوامل الشخصية التي تسعى لتحقيقها، تقع هذه الأهداف خارج منطقة الارتياح بالنسبة لك، بالتالي أنت ستحاول جاهداً بذل كل ما تستطيع لنجاحك، وهذا أشبه بالركض سريعاً خارج منطقة الراحة المعهودة ثم النضال للبقاء هناك.

عقلك يقول إن الأمر مثير لكنه منزعج حقاً من هذا التغيير الكبير، وسيحاول أن يجبرك على الرجوع لمنطقة الراحة الخاصة بك ما لم تستطع قوة إرادتك أو دوافعك دعمك خارجياً، لذلك إذا أراد الإنسان لنفسه النمو والتطور يحتاج أن يبحث عن تحديات توسع منطقة الراحة بالنسبة له، ربما يجد نفسه!!


error: المحتوي محمي