الإنسان..
سرّ من أسرار هذه الخليقة
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الخاطرة سأتحدث عن أمر مهم وقع في ذهني ولطالما كنت أبحث عن إجابته من بَني جنسي بغير اعتماد على أي وسيط لمعرفة الجواب وهذا الأمر هو سؤال: ما هي حقيقة الإنسان الذاتية؟!
يعني هل نستطيع معرفة حقائقنا الذاتية نحن كبشر أم يصعب ذلك؟ لم أجد جوابًا شافيًا بل لم أجد جوابًا من بني جنسي فقلت في نفسي لعله من الصعب معرفة ذلك.
فألقيتُ نظرة على القرآن الكريم فوجدت بين آياته الشريفة ضالتي.
فقلت نعم من خلال الوصف القرآني نستطيع معرفة بعض جوانب هذا الإنسان الموجود في هذا الوجود بل من خلال النظر في القرآن من جهة حديثه عن الإنسان تجده سرّ الخليقة الكامن في سلسلة الوجود وهو من الصفوة فيها.
نعم لم يستطع أحد أنْ يصفه وصفا شافيا ومبيّناً لحقيقته الذاتية التي جبله الله عليها سوى القرآن الكريم حيث إنَّ الصانع للشيء هو أعرف بذاتيات المصنوع فسبحان من خلق فسوى.
قال تعالى:
{الّذِي خَلَقَ فَسَوّى}
خلْق الشيء: جمع أجزائه
وتسويته: جعلها متساوية بحيث يوضع كل في موضعه الذي يليق به ويعطى حقه كوضع كل عضو من أعضاء الإنسان فيما يناسبه من الموضع.
والخلق والتسوية وإنْ كانا مطلقين لكنهما إنما يشملان ما فيه تركيب أو شائبة تركيب من المخلوقات.
قوله تعالى:
{وَالّذِي قَدّر فَهَدَى}…
أي جعل الأشياء التي خلقها على مقادير مخصوصة وحدود معينة في ذواتها وصفاتها وأفعالها. الميزان العلاّمة الطباطبائي رحمه الله.
قال تعالى:
{وإنْ مِنْ شيءٍ إلا عِنْدَنَا خَزَائِنه وَمَا ننزِّله إلا بِقَدْرٍ مَعْلُوم}…
فخزائن الأشياء عنده جل وعلا ومن أعطاهم تلك الخزائن محمد وآل محمد (صوات الله عليهم أجمعين).
قال تعالى:
{عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يسْلُك مِن بَينِ يدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}.
نرى أن القرآن الكريم يصفه بأجمل الصفات من جهة ومن أخرى ينعته بالنعوت الفاضلة حيث نال بعناية خاصة من قبل الله عزّ وجلّ وحبيَ بكرامته منذ وجوده في هذه الخليقة.
كيف نال هذه العناية الخاصة؟
من خلال التتبع في الآيات القرآنية نرى ذلك جليا فمن الميزات والصفات التي ذكرت في القرآن هي التي جعلته ينال هذه العناية الخاصة.
نشير إلى تلك الآيات المباركة ليتضح ذلك:
إنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بيديه عندما خاطب إبليس وقاله له لما امتنعت عن السجود لآدم وقد خلقته بيدي فهذه خصوصية حظى بها هذا الإنسان وما هي إلا العناية الإلهية به ونلاحظ ذلك في قوله تعالى:
{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}…
ونرى أن هناك خصوصيّة وعناية من الله سبحانه وتعالى حيث أودع فيه نفخة من روحه وبعد أن أودعه هذه العناية أمر الملائكة أنْ يقعّوا لهذا المخلوق ساجدين وما هذا إلا دلالة واضحة على عنايته وتشريفه تشريفا خاصا دون سائر المخلوقات.
قال تعالى:
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}.
وأيضًا منحه أمرًا عظيمًا وهو الخلافة في الأرض فما هي وظيفته فيها؟!
وظيفته أنْ ينظم لها حركتها وليدبر أمورها فيكون الإنسان في الأرض كما الملائكة في السَّماء مع وجود الفارق بينهما حيث الإنسان مخلوق حُرّ والملائكة مجبولون على الطاعة وهذا ما يسمى بالفارق النوعي بينهما.
قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.
وبعد ذلك عرض الله أمانته على الإنسان بعد أنْ عرضها على السماوات والأرض وأبيْن أنْ يحملنها وأشفقن منها فحملها هذا الإنسان، يا ترى ما هي هذه الأمانة؟!
هي الولاية الإلهية والاستكمال بحقائق الدين الحق علما وعملا حيث لم تستطع لا سماء ولا أرض ولا جبال أنْ يحملنها مع عظمة خلقها! وما امتناعهما إلا لثقلها جدا.
قال تعالى:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ}.
ولا يزال سبحانه وتعالى يشرّف الإنسان ويوليه عنايته الخاصة بتسخير كل ما في السموات وما في الأرض جميعا ودون استثناء لهذا الإنسان ليتمتع في حياته من علويها وسفليها.
قال تعالى:
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}.
وما إلى ذلك الكثير من العنايات الخاصة ومثلها النعوت الوصفية تطلب في المطولات لمن أراد التمعن في خلق الإنسان وتشريفه.
ثَمَّ بارك الله جلّ وعلا نفسه في هذا الخلق المتكامل بعد أن مرّ بمراحل عديدة حيث أفاد بأنْ الإنسان لم يكن إلا جسما طبيعيا تتوارد عليه صور مختلفة متبدلة، خلقه من طين ثم جعله نطفة ثم خلقه علقة فخلق هذه العلقة مضغة والمضغة عظاما فكسى هذا العظام باللحم بعد ذلك أنشأه خلقا آخر حيث أنشأ هذا الجسم الخامد خلقا آخر جعل فيه الشعور والإرادة يفعل أفعالا من الشعور والإرادة والفكر والتصرف في الأكوان والتدبير في أمور العالم ثم بعد ذلك بارك نفسه جلّ وعلا بهذا المخلوق المتكامل.
قال تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.
هذه الميزات التي حظي بها الإنسان في أصل وجوده وما ذكرناه في هذه الخاطرة إلا على وجه الاختصار لبيان جزء بسيط مما حظي به هذا الإنسان من اهتمام منقطع النظير من تبجيل وتعظيم.
نعم فكان هو المخلوق المفضّل الكريم بخلقه أحسن المخلوقين حيث خلقه لنفسه جلّ وعلا ففي الحديث القدسي كما ورد في الكافي الشريف:
“يا ابن آدم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي”.