احذروا هذه المشروبات!

ها نحن على مشارف وتباشير هلال الشهر الكريم، وها هي أسواقنا تعج بأصناف الأطعمة والمشروبات المتعددة التي لها خصوصية رمضانية، تستحوذ على أركان ومساحات مراكز التسوق، في مواقع مميزة وظاهرة أكثر جذباً للزبائن.

من المؤكد أن الخبرة والحذاقة والمنافسة التسويقية، مكنت شركات وتجار الأغذية من اختيار الأماكن المناسبة لعرض منتجاتهم، وإتقان فنون الترويج، وإغراء أصحاب المراكز باستبدال أصناف غذائية بأخرى، واستبعاد البعض رغم ما يترتب على ذلك من تكاليف باهظة على الشركة، فاختيار الموقع من حيث كثرة الارتياد، مطلب أساسي لرفع مستوى المبيعات لصالح الربح السريع.

وبصفة عامة فإنني كثيراً ما أحار أمام تلك الأصناف التي تأخذ حيزاً ومساحات ورفوفاً في المحلات.

أصبح ما يتميز به شهر رمضان تلك المشروبات واسعة الاستهلاك، والتي يحرص عدد غير قليل من الناس على تواجدها في موائدهم الرمضانية.

مشروبات ومساحيق اصطناعية منكهة تصنف غذائياً من الأغذية غير المتزنة، تملأ أسواقنا، ويزداد إقبالنا على تناولها وهي عادة غذائية راسخة خلال الشهر الفضيل، تستهلك بأسمائها التجارية المتنوعة، هي مستحضرات غذائية صناعية في تركيبها، وتعد معظم مكوناتها صناعية، وتستعمل في صناعتها مكسبات طعم، وأصباغ ومواد حافظة، ومحليات صناعية.

ويدعي مصنعو تلك المشروبات أو المستحضرات فائدتها؛ حيث يشيرون بتدعيمها بالمغذيات، لكن هناك جدلاً علميًا حول فائدة تدعيم المشروبات الصناعية أو مساحيقها بالفيتامينات والمعادن؛ نظرًا لكون هذه العناصر أو المركبات شديدة الحساسية لظروف التخزين الطويل في أجواء المملكة الحارة.

تلك الأصناف الرائجة من المشروبات الاصطناعية
ذات اللون التوتي الأحمر، ومسحوق أو مركز بنكهة البرتقال الاصطناعي، التي اعتاد كثير من الناس على وجودها ضمن مائدة إفطار رمضان، نراها على أرفف وفي واجهات مراكز التسوق، يجب علينا التفكير قبل وضعها في عربة التسوق، كونها غير ملائمة أبداً للصحة، والسبب وراء ذلك هو أن أغلب محتوياتها مضافات اصطناعية، هي أقرب إلى مستحضرات صناعية.

وعلى سبيل المثال يحضر شراب التوت الأحمر من المكونات التالية: سكر “دون توضيح نوع السكر وفي الغالب محليات اصطناعية”، ماء، وحامض الماليك “بودرة بيضاء متبلورة شديدة الحموضة”، حامض الستريك “ينتج صناعياً بواسطة نوع من الفطريات”، وألوان اصطناعية “تراترازين ولونها برتقالي وصبغة كارموزين ولونها أحمر”، ونكهات اصطناعية ومشابهة للطبيعة “كراميل”، ومادة حافظة “بنزوات الصوديوم”.

إذن هي مشروبات جميع مكوناتها صناعية ما عدا الماء، وشركات التصنيع تزعم أن منتجاتها طبيعية!!

بعض دول العالم كما في اسكندينافيا تحظر استخدام تلك المضافات في الأغذية، لكن هيئة الدستور الغذائي “الكودكس” تسمح بمقادير محددة بسبب تأثيراتها الضارة بصحة الأطفال، لأن أجسامهم أكثر حساسية من البالغين.

هذه المشروبات قد تحقق رغبات الكثير من المستهلكين لمذاقها وطعمها الحلو المنعش، دون الاهتمام بالجانب الصحي، وهذا هو سر تمسك بعض الأسر بتناول هذه النوعية من المشروبات.

لا يمكن أن يجذبنا اللون واللذة فقط فهذه معايير خادعة، إنما ما يهمنا في الحقيقة، السلامة والقيمة الغذائية.

أخبرني أحد الأصدقاء أنه قبل رمضان من كل عام يعقد العزم على الامتناع عن شراء المشروبات الاصطناعية، ويعلق على ذلك التوجه: إلا أنني أضطر في نهاية الأمر إلى مجاراة بقية أفراد الأسرة، وترك العنان لشهواتهم ورغباتهم.

بما أن الفواكه والخضراوات هي المصادر الرئيسة للفيتامينات والمعادن والألياف الغذائية، فإن التغيرات الكيمحيوية التي تحدث في الثمرة هي عامل مهم فيما يتعلق بقيمتها الغذائية، ولتفادي تلك التغيرات تؤكل الثمار طازجة.

هناك عوامل عدة تعرض الثمرة للفساد والتلف السريع، منها زيادة فترة التخزين، وإطالة فترة الحفظ، وطريقة التداول، والاضطرابات الفسيولوجية أثناء التخزين على درجات حرارة منخفضة، وهذه العوامل تسبب انحداراً في الجودة والقيمة الغذائية.

تستقبل شركات التصنيع فائض الفواكه والخضراوات من المزارع والأسواق المحلية وتصنعه على هيئة شرائح وقطع وعصائر مجمدة ومحفوظة، ولب مهروس، وبودرة ومربيات وحلويات، أو يمكن تسويقه على هيئة معجون ومركزات، واستخدامه كمادة خام لتصنع منه العصائر والمشروبات والأغذية المحفوظة، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن كل هذه المنتجات ليس لها عمر تخزيني طويل حتى بعد إضافة المواد الحافظة، كما أن المعالجة الصناعية أثرت على القيمة الغذائية والصحية.

دأبت ربات البيوت على إعداد المشروبات الباردة لأفراد أسرتها قبل وقت كافٍ من موعد الإفطار، يفضلها البعض أن تكون عصائر أو مشروبات طازجة، مشروبات مفيدة نذكر ما يلي:
• مشروبات ساخنة: الحساء “الشوربات” المتعددة الأنواع والأصناف، لها مذاق لذيذ وقيمة غذائية عالية، غنية بالدهون والبروتينات والفيتامينات والمعادن الضرورية، للنمو والطاقة، مغذية وتحمي من الأمراض.
• اللبن الرائب: يفيد في علاج بعض الاضطرابات المعوية، وتخفيف حدة الإسهال خاصة إذا كان مصدره تسمماً.
• قمر الدين: يصنع من ثمار المشمش مع النشا وسكر الجلوكوز ثم التجفيف، شراب منعش وغني بالألياف يساعد في الوقاية من حدوث الإمساك وعلاجه.
• الكركديه: مشروب منعش يحضر من أزهار نبات الكركديه، يفيد في علاج السعال وخفض ضغط الدم المرتفع وتهدئة الأعصاب وتنشيط حركة المعدة وإفرازها وإدرار البول.
• عرق السوس: يفيد منقوع عرق السوس في طرد البلغم وعلاج حالات السعال والتهاب القصبة الهوائية والقرحة المعدية التي تزداد شدتها عند الصيام.
• التمر هندي: يفيد مشروب التمر هندي في الوقاية من الإمساك بسبب ارتفاع محتواه من الألياف.
• الماء هو المشروب الأساسي، وعنصر حيوي وضروري، لأنه يمكّن الجسم من تأدية وظائفه الطبيعية ويتخلص من المواد السامة في صورة البول والعرق؛ يقول المولى سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (سورة الأنبياء، الآية رقم 30)،  وكذلك قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (سورة ق، الآية رقم 9)، أكثر ثم أكثر من تناول الماء، اشرب على أقل تقدير 6 – 8 أكواب يومياً،  فبجانب الماء هناك العصيرات والحساء والحليب إياك وأن تنتظر حتى تشعر بالعطش!

إن صحة الإنسان هي أغلى وأهم ما يمتلكه في حياته الدنيوية لأنها مرتبطة ببقائه ووجوده وقدرته على السعي وراء الرزق ومتطلبات الحياة والاستمتاع بمباهجها.

نلجأ إلى المشروبات الاصطناعية التي تتواجد في الأسواق على هيئة شراب مخفف أو مركز أو مسحوق، وننسى أن الفواكه والخضراوات كثيرة ورخيصة، فعصير البرتقال وعصير الجزر وكل العصائر الأخرى غنية بالفيتامينات والمعادن والألياف الغذائية المضادة للأكسدة.

يتعرض مصنعو العصائر المحفوظة لانتقادات حادة واتهامات بأنهم يضللون المشترين فيما يتعلق ببطاقة البيانات الإيضاحية، وبما تحويه العصائر من مكونات، ( GSO 9/ 2007) فالاسم لا يوضح طبيعة المادة الغذائية  “عصير طازج 100%” وهذه النوعية لا يضاف لها سكريات ولا مواد حافظة، كما لا يوضح نوع السكر المضاف، هذه البيانات تؤدي إلى انطباع خاطئ بشأن صفاتها وحقيقة الحالة الطبيعية لمحتوى العصير، كما أن مشروبات الفاكهة قد يصل محتواها من الفاكهة إلى 5% فقط والمطلوب أن لا تقل عن 10%.

كم نتمنى من بعض الأسر أن تغير سلوكها وتتوقف من تناول المشروبات التي يقال عنها عصائر وما هي بعصائر، لا تختلف عن المشروبات الغازية في قلة  فائدتها وأضرارها الصحية.

التوصيات الصحية تدور حول هذا التوجه؛ لكونها أغذية خاوية من القيمة الغذائية وكذلك مخاطر ما تحمله من مضافات ضارة بالصحة نحن في غنى عنها.

كن يقظاً فإن بعض المشروبات تحتوي كميات كبيرة من السكر أو المحليات الاصطناعية، وقليل من العناصر الغذائية، واستهلاك كميات كبيرة منها قد يسبب الجفاف،  فالماء دائماً هو الأفضل.

أكبر تحدٍ يواجهك هو أن تختار أصناف وجبتك بحيث ترضي شهيتك دون أن تضر بصحتك.

هناك فئة من الناس منحهم الله سبحانه وتعالى إرادة قوية، ودربوا أنفسهم مع الأيام على تطويع شهواتهم ورغباتهم ضمن ما ينفعهم وهؤلاء هم أقوياء الإرادة.


منصور الصلبوخ

اختصاصي تغذية وملوثات


error: المحتوي محمي