مكارم الأخلاق
المعروف
صُنْعُ المعروف من السنن الحميدة التي نالت إشادة عظيمة والحث عليها مِن قِبَلِ الشريعة الإسلامية بل الرسالات السماوية أجمع، لأنَّ هذه السُّنة المباركة في جوهرها حكم بها العقل قبل أنْ تحكم بها الشريعة المقدسة، حيث إن الإنسان بطبعه كونه اجتماعيًّا وحيث إِنَّه كذلك نراه بهذا الطبع يميل إلى الاجتماع مع بني جنسه، فتراه أيضًا يتسارع في تكوين العلاقات معهم ويحاول إرساء قواعد بناء هذه العلاقات لكي تقوى لتظل ثابتة لا تهزها الرياح، فيسعى ويبادر إلى بناء المعروف الذي هو من أهم مصادق تقوية أواصر هذه العلاقات، ولأن بها تنشأ بذرة التآخي والمحبة في القلوب، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذلك فقال: “مَنْ بذل معروفه مالت إليه القلوب”.
وكلما نشأت هذه البذرة وأخذت مساحة أوسع ضاقت على الفرقة المساحة، وحيث إِنَّ المعروف هو فِعل الخير فكلما اتسعت مساحته ضاقت مساحة الشرِّ إلى أنْ تخفيه من وجوده، ومن هذا المنطلق نرى أنَّ الشريعة الغراء كذلك حكمت بوجوبها وبعد حكمها حثت بل على هذا الفعل.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
عند ملاحظة الآية الشريفة نرى فيها أوامر، فالأمر بالركوع والسجود أمر بالصلاة ومقتضى المقابلة فيكون المراد من قوله: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ}، هو الأمر بسائر العبادات الإلهية المشرعة مثل الصوم والخمس.
وقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}، فهنا أمر بفعل بقية سائر الأحكام التي شرّعها الله سبحانه وتعالى لأنَّ بها يستقيم الفرد والمجتمع، فينبغي للإنسان أنْ يستجيب للأوامر المشرعة من قبل الله سبحانه وتعالى والرسول الأعظم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} لِمَا فيها سعادته وحياته والحياة كما في تفسير القُمِّي هي الجنة، وفي تفسير البرهان، الآية نزلت في ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام ولا تنافي بين التفسيرين لأنَّ ولاية أمير المؤمنين هي الجنة والجنة لا يدخلها أحد إلا بحبه لأمير المؤمنين.
وقد ورد في الرواية الشريفة لِمَا أشرنا إليه سابقًا أنْ بفعل الخير يدفع الشر لأَنَّ مساحة الشرّ ضاقت أو انعدمت لأنَّ الله يحول بين المرء وقلبه يعني بين المرء ومعصيته، كل ذلك بفعل الخير ويحول بين الكافر وطاعته لأَنه بفعل الخير يستكمل إيمانه في تفسير القمي:
عن أبي الجارود عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}.
يقول: بين المرء ومعصيته أنْ يقوده إلى النار ويحول بين الكافر وطاعته أن يستكمل بها الإيمان واعلموا أنَّ الأعمال بخواتيمها”.
وأما ما أشارت إليه الروايات في فعل المعروف فكثيرة جدًّا، حيث نرى الترغيب في هذه السُّنة المباركة.
نرى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مرغباً لهذه السُّنة المباركة فمن يقرأ سيرته صلوات عليه يجد ذلك كثيرًا في كلماته منها كما في المستدرك للشيخ النوري عليه الرحمة: قال عليه السلام: “المعروف كنز من أفضل الكنوز ، وزرعٌ من أنمى الزرع ، فلا تزهدوا فيه ولا تملّوا”.
وقال عليه السلام: “عليكم بصنائع المعروف فإنّها نِعْمَ الزَّاد إلى المعاد”.
بل حث على الإسراف فيه مما يدل على أهميته العظمى في تلاحم المجتمع ورقيه وترابطه.
قال عليه السلام: “في كلّ شيء يذمّ السرف إلاّ في صنائع المعروف والمبالغة في الطاعة”.
ورُوِيَ عن الإمام الحسين عليه السلام أَنَّه قال: “اعلموا أنَّ المعروف مكسب حمدًا، ومعقب أجر، فلو رأيتم المعروف رجلًا لرأيتموه حسنًا جميلًا يسر الناظرين ويفوق العالمين ، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجًا قبيحًا مشوهًا تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار”.
والروايات في ذلك أكثر مِمَّا تُحصى فيما ورد في هذه السُّنة المباركة في التأكيد على هذه الخصلة الأخلاقية العظيمة لآثارها، حيث تمتن العلاقات بين أفراد المجتمع وبها يكون صانعها عزيزًا ومِمَّن تميل إِليه القلوب، ولذلك أشارت الرواية إلى هذا المعنى.
رُوِيَ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: “من بذل معروفه مالت إليه القلوب”.
فإذا كانت هذه عظمة المعروف فماذا عن فاعله الذي نال تلك المرتبة فهل يجازى بالإحسان إليه أم ماذا؟
مِمَّا ينبغي على المجتمع هو أنْ يحتضنه وعلى من يُقَدَم له هذا المعروف أنْ يجازي الفاعل بالإحسان وأن يشكره ويثني عليه وأنْ يجعله كالدين في رقبته ويكافئه على ذلك، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في المروي عنه عليه السلام في دعائم الإسلام قال عليه السلام: “مَنْ اُسدي إليه معروف فليكافِ عليه فإنْ عجز فليثن فإنْ لم يفعل فقد كفر النعمة”.
وإذا لم ير فاعل المعروف ذلك مِن شكر وثناء على ما قدَّمه، هل عليه أنْ لا يتفكر في ذلك مطلقًا لأن ما قام به من عمل أولًا هو لوجه الله متقربًا إليه، وثانيًا هو من سيجازيه فيهيئ له ما يلتمس أثره، وأشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذلك فقال: لاَ يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ مَنْ لاَ يَشْكُرُهُ لَكَ، فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِشَيْء مِنْهُ، وَقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ، وَاللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ”.
وكذلك ينبغي لفاعل المعروف أنْ لا ينتظر مِن المقابل الجزاء الحسن، كما أن هناك أولًا كما تقدم من يشكر ويثني، هناك ثانيًا من يسيء، يقابل الإحسان بالإساءة، فلذلك وردت في الروايات الشريفة أنَّ صُنع المعروف لجميع الناس البرّ والفاجر.
رُوِيَ الإمام علي عليه السلام أنه قال: “ابذل معروفك للناس كافة، فإنَّ فضيلة فعل المعروف لا يعدلها عند الله سبحانه شئ”.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنَّه قال: “رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس، واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: “اصطنع الخير إلى مَنْ هو أهله، وإلى مَنْ هو غير أهله، فإنْ لم تصب مَنْ هو أهله فأنت أهله”.
وأما أبواب المعروف فكثيرة جدًّا، ورد بعضها في الروايات الشريفة نقتصر على رواية في المقام، رُوِيَ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: “فَمَنْ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ، وَلْيَفُكَّ بِهِ الأسِيرَ وَالْعَانِيَ، وَلْيُعْطِ مَنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ، وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ; فَإِنَّ فَوْزاً بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا، وَدَرْكُ فَضَائِلِ الاْخِرَةِ، إِنْ شَاءَ اللهُ”.
وها نحن نعيش في ظل هذه الجائحة التي يمر بها العالم بأسره، حيث تقطّع البعض عن أعماله ظهرت لنا الأيدي الخيرة ولله الحمد بالوقوف سندًا مع هؤلاء، حيث كان الدور الكبير للمؤمنين في سدّ بعض حاجاتهم شكر الله كل مَنْ ألقى على عاتقه هذه المسؤولية على رأسهم مراجعنا العظام والعلماء والجمعيات الخيرية وجميع المؤمنين حفظهم الله جميعًا لفعل المعروف.
لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك، ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.