خواطر لابد منها 3-8

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

مراتب و شرائط هذه الفريضة المباركة وما ينبغي للآمر تجاه المأمور.

قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

في هذه الخاطرة سيكون محور البحث حول مراتب وشرائط هذه الفريضة المباركة وما ينبغي للآمر تجاه المأمور.

ذكر فقهاء الإمامية – أعزهم الله ورحم الماضين منهم وحفظ الباقين بعينه التي لا تنام – مراتب لهذه الفريضة وشرائط ينبغي للآمر بالمعروف أن يعرفها قبل إحيائها ذكرت في كتبهم المطولة ورسائلهم العملية.

مراتب هذه الفريضة: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ببعض مراتبهما واجبان كفائيان وفي بعض مراتبهما الأخرى واجبان عينيان كوجوب الصلاة اليوميّة ووجوب الصوم والخمس وغيرها من الواجبات العينية.

ما يخصنا في هذه الخاطرة هو هذه الفريضة المباركة وهي داخلة في القسمين.

للواجب الكفائي نوعان؛ عام وخاص:

العام: هو ما يستطيع أن يقوم به جميع المكلفين ولهم القدرة على  القيام به مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعني ذلك أن هذه الفريضة ملقاة على جميع المكلفين دون استثناء بعضٍ دون بعض وكذلك غيرها من الواجبات الكفائية كتغسيل ودفن الميت وتحصيل العلوم.

الخاص: هو مرتبط ببعض المكلفين دون بعضهم الآخر مثل  مقام الإفتاء والقضاء وهو الذي يقع على عاتق المجتهد الجامع  لشرائط الإفتاء والقاضي ومثل الطبيب الذي يقع على عاتقه علاج المرضى وكل بتخصصه.

فبهذا نعرف أن الواجب الكفائي هو قسم من الواجبات الشرعية حيث إنه مطلوب من كل مكلف وإنما لو صدر هذا الفعل عن بعض المكلفين لسقط عن الآخرين ويعني ذلك أن كل المكلفين في حالة تساوي في هذا الأمر الإلهي وهو ما يقع مقابل الواجب العيني الذي هو شامل للكل في أداء وظيفته.

بعبارة أخرى إن الواجب الكفائي هو ما يخص المصالح العامة في مقابل الواجب العيني حيث يتعلق بنفس المكلف ولا يؤدي ما كلف به الغير.

متى يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
يجب ذلك بعد توفر شرائط معينة فإذا توفرت وجبت هذه الفريضة وقد ذكر الفقهاء هذه الشرائط في رسائلهم العملية نذكر هنا ما ذكره سماحة السيد السيستاني حفظه الله وهي:

١- معرفة المعروف والمنكر – ولو إجمالاً – فلا يجب الأمر بالمعروف على الجاهل بالمعروف، كما لا يجب النهي عن المنكر على الجاهل بالمنكر نعم قد يجب التعلّم مقدّمة للأمر بالأوّل والنهي عن الثاني.

٢- احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر، وانتهاء المنهي عن المنكر بالنهي، فلو علم أنه لا يبالي ولا يكترث بهما، فالمشهور بين الفقهاء أنه لا يجب شيء تجاهه، ولكن لا يترك الاحتياط، بإبداء الانزعاج والكراهة لتركه المعروف أو ارتكابه المنكر وإن علم عدم تأثيره فيه. (احتياطا وجوبيا).

٣- أن يكون تارك المعروف أو فاعل المنكر بصدد الاستمرار في ترك المعروف وفعل المنكر، ولو عرف من الشخص أنّه بصدد ارتكاب المنكر أو ترك المعروف ولو لمّرة واحدة وجب أمره أو نهيه قبل ذلك.

٤- ألا يكون فاعل المنكر أو تارك المعروف معذوراً في فعله للمنكر أو تركه للمعروف، لاعتقاد أن ما فعله مباح وليس حرامًا، أو أنّ ما تركه ليس واجبًا. نعم، إذا كان المنكر ممّا لا يرضى الشارع بوجوده مطلقاً كقتل النفس المحرمة فلا بدّ من الردع عنه، ولو لم يكن المباشر مكلفاً فضلاً عمّا إذا كان جاهلاً.

٥- ألا يخاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ترتّب ضرر عليه في نفسه أو عرضه أو ماله بالمقدار المعتدّ به، ولا يستلزم ذلك وقوعه في حرج شديد لا يتحمّل عادة إلاّ إذا أحرز كون فعل المعروف أو ترك المنكر بمثابة من الأهميّة عند الشارع المقدّس يهون دونه تحمّل الضرر والحرج.

وإذا كان في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوف الإضرار ببعض المسلمين في نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به سقط وجوبه. نعم، إذا كان المعروف والمنكر من الأمور المهمّة شرعاً فلا بدّ من الموازنة بين الجانبين من جهة درجة الاحتمال وأهميّة المحتمل، فربّما لا يحكم بسقوط الوجوب.

وأما ما ينبغي للآمر تجاه المأمور أمر تختلف فيه الأساليب ولكن الذي ينبغي هو اتخاذ طرق وأساليب سليمة ومناسبة وسنذكر باختصار في هذه الخاطرة ما هو متعلق بذلك وهو الأهم فسنأخذ الطرق من القرآن الكريم بذكر بعض الآيات الشريفة والمروي عن الرسول الأعظم الخاتم (صلى الله عليه وآله).

الآيات المباركة نقتصر على آية واحدة حيث أمرت بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن فأول ما أشارت إليه الآية المباركة أشارت إلى الحكمة ومن ثم الموعظة الحسنة وبالجدال.

قال تعالى: {ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ}.

فقد فسرت: الحكمة بإصابة الحق بالعلم والعقل كما عن مفرادات الراغب.
الموعظة بأنه التذكير بالخير فيما يرق له القلب كما عن الخليل.
الجدال بالمفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة كما في مفردات الراغب.

ومن خلال القراءة في سيرة دعوة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله نراه قد سلك أفضل الأساليب وأكثرها تأثيرا عند التعاطي مع كل ظرف بحسبة حين مخاطبتة للناس لأنه كان أيضا بتوجيه إلهي كما أشارت الآية الشريفة المتقدمة إلى هذا المعنى والشواهد على ذلك كثيرة يمكن لك مراجعتها في كتب سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.

والمروي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أنه قال: “مَن أمرَ بمعروفٍ فليكنْ أمرُه ذلك بمعروفٍ”.

نكفتي بهذا المقدار في هذه الخاطرة ونسأل الله أن نكون ممن يدعون إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

روي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: “الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر خلقان من خلق الله فمن نصرهما أعزه الله ومن خذلهما خذله الله”.

لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.


error: المحتوي محمي