بحث حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفهم الخاطئ لهما من المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم
إكمالًا لما سبق ففي هذه الخاطرة نتحدث حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما ورد في السنة المطهرة عن الرسول الأعظم وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.
من خلال قراءتنا لما ورد عن الرسول الأعظم والأئمة صلوات الله عليهم نرى أنهم أكدوا على هذه الفريضة وأكدوا على أهميتها وعظمتها حيث حظيت بمنزلة عظيمة بين سائر الفرائض ولذلك نراها كما ورد في بعض النصوص أنها من شعب الجهاد الأربع وكما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نهج البلاغة حيث قال: “……والجهادُ منها – من دعائمِ الإيمانِ – على أربعِ شُعبٍ: على الأمرِ بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكرِ والصِّدقِ في المواطن وشنآن الفاسقينَ فمن أمرَ بالمعرُوفِ شدَّ ظُهُور المؤمنين ومن نهى عن المُنكرِ أرغم أنُوف الكافرين ومن صدق في المواطن قضى ما عليه ومن شنِئ الفاسِقِين وغضِب للّه غضِب اللّهُ لهُ وأرضاهُ يوم القيامةِ”.
بل هذه الفريضة كما ورد في موضع آخر لأمير المؤمنين عليه السلام من أنها متقدمة على أعمال البّر كلها وما أعمال البر وحتى الجهاد في سبيل الله إلا كنفثة في بحر لجي.
قال عليه السلام: “وما أعمالُ البِرِّ كُلُّها والجهادُ في سبيلِ اللّه عندَ الأمرِ بالمعرُوفِ والنَّهي عنِ المُنكرِ إلا كنفثةٍ في بحرٍ لُجِّيٍّ”.
والنفثة هي ما يلقى من الفَم من بُصاق غليظ وقع في بحر أو قطرة في بحر عميق كثير الماء متلاطم الأمواج.
قال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ}.
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في معاني الأخبار عن سيدنا ومولانا الإمام السجاد عليه السلام من أن تضييع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي من الذنوب التي تنزل البلاء.
قال عليه السلام: “…..والذنوب التي تنزل البلاء ترك إغاثة الملهوف وترك معاونة المظلوم وتضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر….”.
بل هي أسمى الفرائض وأشرفها بل تقام بها الفرائض كما ورد عن سيدنا ومولانا الإمام الباقر عليه السلام.
عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عِصْمَةَ قَاضِي مَرْوَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلام) قَالَ: “يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يُتَّبَعُ فِيهِمْ قَوْمٌ مُرَاءُونَ يَتَقَرؤون وَيَتَنَسَّكُونَ حُدَثَاءُ سُفَهَاءُ لا يُوجِبُونَ أَمْراً بِمَعْرُوفٍ وَلا نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ إِلا إِذَا أَمِنُوا الضَّرَرَ يَطْلُبُونَ لأنْفُسِهِمُ الرُّخَصَ وَالْمَعَاذِيرَ يَتَّبِعُونَ زَلاتِ الْعُلَمَاءِ وَفَسَادَ عَمَلِهِمْ يُقْبِلُونَ عَلَى الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَمَا لا يَكْلِمُهُمْ فِي نَفْسٍ وَلا مَالٍ وَلَوْ أَضَرَّتِ الصَّلاةُ بِسَائِرِ مَا يَعْمَلُونَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ لَرَفَضُوهَا كَمَا رَفَضُوا أَسْمَى الْفَرَائِضِ وَأَشْرَفَهَا إِنَّ الأمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ……”.
ونرى الإمام الحسين عليه السلام يبين لنا كيف أن إحياء وتفعيل هذه الفريضة العظيمة هي دعاء إلى الإسلام حيث بها إقامة الفرائض وذلك بذكر موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال عليه السلام: “…بدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنّها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلّها هينها وصعبها وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفيء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها..”.
(مجمع البيان في تفسير القرآن – الطبرسي ١ : ٤٨٣).
ومن عظمة هذه الفريضة أيضا إنها داخلة فيما هو أفضل الإسلام حيث ورد هذا المعنى في الرواية الشريفة حيث جعلها الإمام صلوات الله عليه في المرتبة الثالثة أولها الإيمان والثانية صلة الرحم وبعدهما هذه الفريضة التي نحن بصددها في هذه الخاطرة كما في الكافي الشريف للشيخ الكليني عليه الرحمة.
عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام: أن رجلًا من خثعم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام قال: الإيمان بالله قال : ثم ماذا قال: ثم صلة الرحم قال : ثم ماذا ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: فقال الرجل: فأي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الشرك بالله قال: ثم ماذا؟ قال قطيعة الرحم قال: ثم ماذا؟ قال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
وأما الفهم الخاطئ لهذه الفريضة المباركة حيث وصل الأمر بنا إلى تركها أو عدم قبولها من البعض فعلينا أن ننظر إلى واقعنا وما يحلّ بنا من مآسٍ كثيرة فنحن هنا بصدد ذكر بعضها للاختصار وقد بيّنت لنا الروايات الكثيرة ذلك كما ورد عن رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله.
روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: “لتأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم وتدعو خياركم فلا يستجاب لهم وتستنصرون فلا تنصرون وتستغيثون فلا تغاثون وتستغفرون فلا تغفرون”.
ما أشارت إليه الرواية الشريفة ما هو إلا لفهمنا الخاطئ لهذه الفريضة حيث مجتمه هذا اليوم يراها تدخلًا في حريات الفرد أما هو ناسٍ أو غافل أو متجاهل على أن هذه الفريضة هي إصلاح للفرد والمجتمع معًا وتدفعهما إلى الاتجاه السوي ليسمو ويرقى وذلك بترك ما هو غير سوي من السلبيات حيث تحلّ محلها الإيجابية.
فللأسف الشديد بلغ بنا الأمر أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بماذا يجابه؟! أيُجَابَه له بالشكر والامتنان والدعاء له بالتوفيق أم ماذا؟!
للأسف يجابه بشتى أنواع التوهين من تحقير أو استهزاء لأنه دعاهم إلى الحق إلى الصراط المستيقم فيجابه بكلمة قرآنية {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. وهو لا يعى معناها وقد غفل عن الآية الأخرى المباركة كذلك قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.