واختفى..!

جلس على أريكتهِ المفضلة، ذات اللون الأبيض الممتزج مع الأسود، يحتسي قهوته السوداء على مهلٍ تحت ظل شجرة الزيتون.

ينظر إلى قاع الفنجان تارةً، وإلى منزل أبيه الخاوي تارةً أخرى، وعلى يمينهِ عبوة ذات سبعة لترات قد مُلِئت بالبنزين، قبل أن يسرح في غياهب أفكاره.

مرةً تعود به الذاكرة إلى أيام نعومة أظافره، وطراوة عوده الأخضر، تحت كنف أبيه الذي واراه الثرى في حرب الخليج، وأذيتهِ واستفزازه الدائِم له، ومرةً إلى حضن أمه الدافئ الذي دنا أسفل التراب وعلى عند ربه، نبع حنانه، جنته وناره، رحلت.. ابتسامتها التي لم تغب عن مخيلته، رائحتها الزكية، وبقى فقط خيالها.

وللندمِ في عيونهِ نصيب مما كان يفعل وعلى أصغر الأمور، ومرَّ على باله رغيف الخبز حينما ألقى به متذمراً لاحتراقه، وأي صرخةٍ تكفي عن تنفيس آلامه.

ثم، لابد للذكريات أن تحترق.

فمضى لطيِّه، صار يسكب البنزين في أرجاء بيته، مروراً بغرفةِ ألعابه، حديقة أمه التي لطالما أحبتها.

كل زاويةٍ في ذلك المنزل تحمل معها الكثير من الذكريات، اللطيفة منها والمؤلمة.

انتهى أمام باب داره، ثم ألقى بسيجارته، ودلف تاركاً البيت يشع بنيران الحزن.

صرخات الطيور خلفه، أرواح ساكنيه تبكي.. واختفى..!


error: المحتوي محمي