الدعاء في الرخاء
تقدم في الخاطرة رقم ٣ الحديث حول الدعاء حال البلاء حال الشدة، وذلك لأهميته لما نمر به في أيامنا هذه دفع الله عنا وعنكم وعن جميع المؤمنين وسائر البلدان هذا البلاء بحق محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
وها نحن في هذه الخاطرة نتحدث عن الدعاء في حالة الرخاء.
عندما يكون المخلوق في حال رخاء واطمئنان ينبغي له أن يعرف أمراً مهماً وهو أن النعمة التي يعيشها هذا المخلوق هي من الخالق عز وجل، وينبغي له أن يعي شيئاً مهماً وهو أن الخالق الذي أعطى هذه النعمة هو القادر على سلبها، كما أنه هو القادر على أن يزيد هذا المخلوق من نعمه جل وعلا لماذا؟
لأنه هو خالق هذا المخلوق والحياة وخالق هذا الكون ولنعلم أنه هو اللطيف الخبير بعباده.
قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
ولذلك نلاحظ الآية الشريفة كما ذكر العلامة صاحب الميزان رحمه الله هنا في الآية الشريفة “استفهام إنكاري مأخوذ حجة على علمه تعالى بأعمال الخلق ظاهرها وباطنها وسرها وجهرها، وذلك أن أعمال الخلق – ومن جملتها أعمال الإنسان الاختيارية – وإن نسبت إلى فواعلها لكن الله سبحانه هو الذي يريدها ويوجدها من طريق اختيار الإنسان واقتضاء سائر الأسباب، فهو الخالق لأعيان الأشياء والمقدر لها آثارها كيفما كانت والرابط بينها وبين آثارها الموصل لها إلى آثارها”.
قال تعالى: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل}.
فعلى هذا ينبغي للمخلوق، ينبغي لهذا الإنسان أن يحفظ الله بأن يدعوه في حال رخائه ولا ينساه قط، وذلك ليستجيب له في حال شدته ولا ينساه حتى لا يكون الإنسان مصداقاً للآية الشريفة قال تعالى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}.
فمن نسي الله يعني ذلك أنه أذعن باستقلال الأسباب في حال رخائه فإذا دعا الله في حال الضر ماذا يعني ذلك؟ قد أذعن حال ضره بالربوبية فقط، وليس الله كذلك بل هو الرب في كل حال.
ولذلك نرى الأنبياء والرسل والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين، نراهم يتوجهون ويتضرعون إلى الله سبحانه وتعالى بروح مشرقة في حال الرخاء يدعون الله ويتوسلون ويبتهلون إليه ليديم عليهم النعمة العظيمة التي هم فيها وليزيدهم من خيراته وفضله، إنه ذو فضل عظيم.
وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة.
قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.
وورد في الروايات المروية عن أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين، مما ينبغي فعله من الإنسان وهو أن يتقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول الشدة، قبل نزول البلاء.
روي عن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه كان يقول: “ما من أحد ابتلي وإن عظمت بلواه أحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء”.
وروي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أنه كان يقول: “لم أر مثل التقدم في الدعاء فإن العبد ليس تحضره الإجابة في كل ساعة”.
وعن الإمام أبي الحسن (عليه السلام): “إن أبا جعفر كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة ليس إذا أُعطِيَ فَتَر فلا تَملَّ الدعاء فإنه من الله عزَّ وجلَّ بمكان – أي بمنزلة – وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم وإياك ومُكَاشفة الناس”.
وغيرها من الروايات الشريفة المروية عنهم صلوات الله عليهم في المقام.
وكما قيل إن الدعاء الاضطراري هو الذي يمثل نداء الفطرة السليمة فلا تتخطاه الإجابة، لماذا؟ لأنه الواقع في ضمن الرحمة التي وسعت كل شيء.
وقيل الدعاء الاختياري هو الصادر عن منطقة الوعي ونداء العقل، وهو الذي ينبض بحركة، وهي حركة الروح والشعور في الذات والقلب الذي انقطع إلى الخالق وتخلى عن جميع الأسباب، وهو أيضاً مما لا تتخطاه الإجابة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحفظ الله فيحفظهم، إنه سميع مجيب.
اللهم نبهنا من نومة الغافلين ونسأله ونتضرع إليه ونتوسل إليه بمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين أن يرفع هذا البلاء عن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وسائر البلدان.
لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك، ابق في بيتك واتبع نصائح الجهات المسؤولة.