قاتل ذكي أعمى خفي

المخلوقات الحية تعتمد في تكوينها على مبدأ الصراع والمنافسة لتحقيق هدف الوجود أولاً ثم مرحلة البقاء، فالإنسان هذا الكائن الضعيف يدخل في صراع كبير منذ انطلاق الحيوانات المنوية التي تعد بالملايين وهي متجهة نحو تلك البويضة التي لا تحتاج إلا إلى حيوان منوي واحد ليحصل على سَبَقْ التلقيح ليمر بمراحل كبيرة من خلال البيئة الحاضنة له وليتكون منه الإنسان.

ويظل خلال حياته عند الغرق يتمسك كما يقال بالقشة التي لا تنقذه؛ وهو عين ما يفعله ذلك الفيروس، ونقصد هنا كل فيروس كونه لا يمتلك الحياة كما يعبر بذلك علماء الأحياء والبيولوجيا فهو ليس بحي وإنما يحتاج إلى غزو خلية حية ليكتمل عندها دورة النمو وتصبح له الحياة التي يستطيع من خلالها فعل ما يريد من التكاثر وليتحول إلى كائن حي ويقوم بالانقسام، وهنا مكمن الخطر على الإنسان.

وعوداً على العنوان وكيف لنا أن نربطه مع واقع الفيروس:

فهو قاتل لأنه قد يؤدي في بعض الحالات ولدى بعض الأفراد الذين تكون مناعتهم ضعيفة أو لديهم أمراض خاصة إلى القتل، وهو ما لا نريده من فقد الأحبة.

أما كونه ذكياً؛ فالمعلوم أن لديه القدرة على التطور والتطوير من أدائه بشكل متسارع، كما أنه لديه القدرة على فك شفرات الخلايا والاستيطان بها ثم الانقسام وغزو الأجسام وإضعافها مع كونه في الأصل لا حياة له ولا يمكنه أن يفعل ذلك إلا بعد دخوله للخلايا.

وأعمى فهو لا يفرق بين حاكم ومحكوم وغني وفقير وكبير وصغير، فكل من يقابله ينتقل إليه بكل سهولة، ومن هنا جاءت التوصيات من المنظمات الصحية والحكومات بعمل الحجر المختلفة على المناطق ضيقاً وسعة حسب المؤشرات التي تظهر من خطوط البيانات، وذلك بالالتزام الكلي أو الجزئي للأفراد وعدم الخروج إلا للحاجات الطارئة حتى تقلل من وتيرة الإصابات.

وخفاؤه هو مشكلته الكبيرة، فهو ليس ظاهراً يمكن للإنسان أن يتوقى منه، بل من خفائه أن لا تظهر أعراضه إلا بعد فترة من الزمن، وخلال تلك الفترة يكون قد استحوذ على الجسم من جهة وبدأ في نقل العدوى للمخالطين ولكل من يقابله، وهذا ما دعا إلى تقليل الاختلاط والتقارب الاجتماعي سواء في الأماكن العامة أو داخل الأسر والمجتمعات الصغيرة.

فمن خلال مجموع الحالات والعينات التي تصل إلى المستشفيات وأماكن الحجر، تجد أنه متمركز في نقاط معينة ولدى بعض المجتمعات أو خلال الأسرة الواحدة الذين تصل لهم العدوى من فرد واحد يقوم بنشره إلى من حوله لتصل بعض الأسر في المملكة إلى تسع حالات لأسرة واحدة، وذلك لخفائه وعدم ظهور أعراضه.

وهنا لا ننسى أنه حرمنا حتى من بعض حواسنا فلا يمكننا ملامسة الوجه إلا مع التأكيد على نظافة وتعقيم اليدين، بل أدى هذا الفيروس الذي لا حياة فيه إلى تحويل مدن وأماكن كانت مزدهرة بالعبادة إلى أماكن مهجورة أو إغلاقها تماماً.

لكنه أعطانا درساً عملياً لمعرفة حجم الإنسان الحقيقي الذي طفى وتغطرس وتصور أنه قادر على غزو العالم والسيطرة عليه بترساناته العسكرية والنووية، وهو في الواقع أصبح أسيراً لفيروس لا يمكن رؤيته إلا بالمجهر الخاص.

ومن جميل فعله أنه صنع ببعض الأنظمة الرأسمالية وغير المتمسكة بالله أن تعود وتجعل من الدعاء وكتاب الله وإذاعة الأذان وعرض القرآن من خلال برامجهم الإذاعية، وهذا مفخرة يجب أن نعتز بها نحن المسلمين والمؤمنين بديننا الحنيف وتثبيتاً للإيمان به.

وأخيراً لنعلم أنه لا سلاح يمكن أن نقاوم به هذا الفيروس بعد الدعاء والالتجاء لله إلا الوعي الكافي بنشر المحبة والسلام بين أفراد العالم والشعور بالمسؤولية أكبر من خلال الاستماع إلى نصائح الجهات الطبية، وذلك بقطع التواصل في هذه المرحلة لمنع وقطع سلسة الانتشار والتكاتف حتى ننتصر عليه.

ولنتذكر أن عدم الاهتمام بالتوجيهات الصحية هو أمر مخالف للشرع، وأن حماية الأرواح واجب عقلي ولنضع نصب أعيننا هذه الآية الشريفة: {وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.


error: المحتوي محمي