هذه الأزمة عرفتنا من يمد يديه لنا ويقضم حبائلَ شباكِ الصائد ومن يحثو الترابَ والحجرَ على رؤوسنا عند أول عثرة. لا تبرم ولا تحزن فأنى لك أن تعرف عدوكَ من صديقك إلا في مرقى الجبالِ الصعاب والعثرات؟!
مشى عابرُ طريقٍ فوقعَ في حفرة. خرجَ من الحفرةِ فسأله أحدهم: كيف رأيتَ الناس؟ قال: رأيتهم أصنافاً ثلاثة:
الصنف الأول: وهو أغلبهم، مر بقربِ الحفرة وكأن لا أحدَ فيها يناديه، لا تستدعيه نفسه أن يقف ولا يعني له شيئاً أن يقعَ إنسانٌ في حفرة. خفق نعالهم لا يفرح ولا يحزن، لكنه يعطي أملاً أن الشرَّ ليس محتوما ما دام لا أحدَ من العابرين يحثو الترابَ فوق رأس من في الحفرة. أشجارٌ دون شوكٍ أو ثمر!
الصنف الثاني: هم من وقف واغتنمَ الفرصة أن يَركل أكوامَ التراب فوق رأسي. لم يعجبه طولي أو عرضي أو منظر وجهي أو نبرة صوتي أو معتقدي أو كوني انساناً، دونما عداوة متأصلة بيني وبينه! ليطمئن من يقع في حفرة أن هؤلاءِ قلة، لن يكونَ هناك من يكفي منهم أن يدفنوه، فهم منشغلون بحفرٍ وأناسٍ آخرين! شَجَرٌ مُشَوِّكٌ دون وردٍ أو ثمر.
والصنف الثالث: هم من وقف ومدَّ يديه، وقال: هات يدكَ أيها الإنسان. هم قلة لا يعني لهم المعروف إلا انعكاساً لإنسانيتهم، لا يغدرونَ ولا يغادرون. هم من تصلي أن يكونوا قريباً منك في الأزمات. شجرٌ يحمل ثمراً طيبَ الرائحةِ والطعم.
نحن كلنا مشاةٌ في طرقِ الحياة المليئة بالحفر، فلا يدري السائر فيها متى يقع في واحدة. لا يجوز لمن يرى غيره في حفرةٍ أن يقول: لا مساسَ، لا يقع في الحفرة إلا الأغيار. من يأمن غِيَر الدَّهْرِ ونَوائبه وصُروفه لن يجد فأراً يقرض حبالَ شباكِ الصائد عندما تصطاده!
كان الإمام علي (ع) يمشي في شوارعِ الكوفة فمر بشيخٍ كبير السن يتكفف، فوقف متعجباً وقال: ما هذا؟ لأنه رأى شيئاً عجيباً يستحق أن يتعجب منه. قالوا: يا أميرَ المؤمنين إنه نصراني قد كبر وعجز ويتكفّف. فقال: ما أَنصفتموه، استعملتموه حتى إذا كبرَ وعجزَ تركتموه، اجروا له من بيتِ المالِ راتباً. لم ينظر لمن في حفرة الفقر، بل كفاهُ أن يرى شخصاً واقعًا فيها فأخرجه.
تستوقفني أبياتُ شعرٍ للإمام الشافعي يمدح فيها الشدائدَ ويشكرها ويعدها الضوءَ الكاشف عن الصداقاتِ والعداوات بين الأفرادِ والجماعات في أوقاتِ المحن:
جزى اللهُ الشدائدَ كلَّ خيرٍ
وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها حمداً ولكن
عرفتُ بها عدوي من صديقي