يا إلهي نبيٌ يُخرج من نعيم الجنة! ونبيٌ ثانٍ يُلقهِ الأعداء وسط نارهم المستعرة! ونبيٌ ثالث يلاحقه الأعداء هو وأتباعه حتى يضطروهم إلى الفرار إلى اليم حتى قالوا:
(إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، ورابع يصلبون شبيهه على خشبة (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا).
وأما نبينا الأعظم (ص) فيتعرض لمحاولة اغتيال أثيمة يضطر معها للفرار وترك بلده والهجرة للمدينة المنورة، إذن فالأمر كما ورد عنه (ص): “الأنبياء أشدُ ابتلاءً، ثم الأمثل فالأمثل”.
وابتلاء الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) لرفع درجاتهم، أما ابتلاء العوام من الناس فيأتي على نحوين؛ الأول كفارة للذنوب قال تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، والنحو الآخر هو العقاب لما اجترحوا من كبائر وآثام، قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
وقد تسافلت الإنسانية لدى البعض عن مستوى البهائم في اتباع الهوى والشهوات حتى اكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء والعياد بالله وكأن قوم لوط لم يذكروا بالقرآن الكريم والكتب السماوية السابقة.
وعلى الجميع في وقت البلاء الانقطاع لخالقهم وطلب التوبة والخضوع والتذلل بين يدية تعالى (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، وقال تعالى (أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ)
وضرب القرآن الكريم المثل الأعلى في نجاح أيوب النبي (عليه السلام) في الابتلاء بالصبر إذ ابتلى (ع) في ولده وماله وبدنه وظل طوال فترة البلاء السنوات السبع ذاكراً ربهَ شاكراً لنعمهِ التي أسبغها عليه في الرخاء طيلة الثمانين عاماً السابقة للبلاء من صحة وأموال وأولاد.
وقد نجح نبي الله يوسف (عليه السلام) في بلائه من فتنة النساء ومحنة السجن التي حولها في استثمار الفراغ للعبادة والذكر مع تقديم وظيفة هدايه الناس من حوله.
ومن أمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ابنه الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) الذى قضى نحو أربع عشرة سنة من عمره المبارك في السجون والذى حول من محنة الاعتقال إلى نعمة الانقطاع إلى الله ومن وحشة السجن إلى اُنسٍ ومصلى لله تعالى وقد ورد عنه (ع):
“اللهم كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، وقد فعلتَ، فلك اللهم الحمد”.
بل نجح في هداية سجانيه وكذلك هداية الجارية التى أرُسلت لتغويه، حتى مضى من سجنه إلى ربه مسموماً صابراً محتسباً صلوات الله عليه في مثل هذا اليوم من شهر رجب سنة ١٨٣ للهجرة.
وصادف في هذا اليوم ٢١ مارس (الاعتدال الربيعي) والذى يتساوى فيه الليل والنهار في المدة، حيث يبدأ بعده النهار يأخذ من الليل تدريجياً حتى نصل أطول نهار في السنه يوم ٢١ يونيو والذى يعرف بالانقلاب الصيفي ثم يأتي اعتدال الخريف في ٢٣ سبتمبر وبعده انقلاب الشتاء في ٢١ ديسمبر كما هو معروف لدى سكان الجزء الشمالي من الكرة الأرضية.
ومعروف عدم تزامن السنة الشمسيه بفصولها الأربعة مع الأشهر القمرية، وبالشكل البياني المصور أبين تعاقب جميع الفصول الأربعة علينا في أشهر رمضان المبارك، حيث اتخذتُ من منتصف شهر رمضان من كل عام نقطة مرجعية سجلت ما يصادفها أو قرب منها من الفصول الأربعة فسبحان الله.
أخيرا أسأل الله تعالى أن يبلغنا شهر رمضان المبارك وقد انقشع هذا البلاء عنا وعن المسلمين والمسلمات وأن يحفظ قيادة وأمن وحكومة بلادنا الغالية التي لم تأل جهدا في خدمة المواطنين.