مراهقة جماعية

قبل أن ينفجرَ وجهه في مقود السيارة، وقبل أن تتناثر شظايا جسمه أسفل رأسه متجمعاً على كرسي السائق، وقبل أن تنتشر رائحة شواء لحمه في أرجاء الطريق السريع المؤدي إلى مقر عمله، لم يكن صديقي الطيب يعتقدُ أنه سيخطئُ وستؤدي سرعتهُ الجنونية لهذهِ الفاجعة.

نعم لقد فكرَ في ذلك مرة عندما سألته عن سرعته الزائدة فقال مبتسماً: نعم السرعة خطيرة ولكن هدئ بالك يا وسواسي، كم نسبة احتمال أنني سأصاب بحادث؟ واحد بالمئة؟ اثنان بالمئة؟ عشرة بالمئة؟ لا تخف يا صديقي فنسبة احتمال أن أصاب بحادث من بين مئات المسرعين تكاد تكون معدومة، وأخذ يضحك.

لو أردت أن أختصر جوابه فسأختصرهُ في سؤال من كلمتين؛ لماذا أنا؟

السؤال الذي يطرحه كل واحد منا عندما يلوح في الأفق خطرٌ جاثم يهدد الجميع.

لماذا أنا؟ لماذا سيختارني من بين هذهِ الألوف؟ بالتأكيد لن يصيبني شيء من هذا؟ ثم ينفخ الهواء من فمه على عقله ليبعد الشعور بالخطر كما يبعد ذبابة تطير بالقرب من أنفه.

كان صديقي شاباً عادياً مثلي تماماً وبالإمكان أن أتهمهُ بأنه كان مراهقاً أحياناً، ولكن كيف أصفُ من يفعل فعلتهُ ومعهُ زوجةٌ وأطفال أو عائلة؟ يا إلهي هذهِ ليست مراهقة بل هذا مرضٌ عضال، هذهِ جريمةٌ لا تغتفر.

لماذا أنا تنخرُ عقولنا بشدة حتى التبلد وفقد الأحاسيس، والموت.

لو كان صديقي موجود اليوم فسيفعل مع الوباء مثلما فعل مع القيادة السريعة، ولكنه لن يكون مراهقاً حينها في نظري، بل سفاح، سفاحٌ يتلاعب بأرواحِ الأطفال، قاتل يدوس على أمهِ وأبيه لأنه لم يستطع أن يعمل على أساس وجودِ خطرٍ في حياته، ولم يستطع أن يفوت جلسة عائلية عامرة أو تجمع في ديوانية يحضرها عشرون شخصاً يشخرون من شدة الضحك عندما يتعرقل أمامهم شابٌّ أبله. نعم لماذا تريد مني أن أترك الجلسة؟ المرضى عشرة والموسوسون مليون يعنيييي؟ اترك عنك الوسواس.

وكما صديقي المسكين الذي لم يتجرأ أحد على وصف حال جسده لأمه بعد دفنه، يعود صديقي الآخر ليعيد طرح نفس السؤال.

لماذا أنا؟


error: المحتوي محمي