توقف العالم عن الركض، وتعطلت الحياة عن الدوران، والتزم البشر ديارهم ودورهم، فلا خروج ولا دخول إلا لحاجة قصوى، أو أمر طارئ.
وحدها المرأة فقط لم تتوقف، فهي في حالة ركض دائم ودوران قائم، كأنها قطب الرحى، بل قلب الحياة، تديرها جاهدة ليل نهار، لكي لا تنقطع أنفاس الأمل فيها وتنهار عزيمة من عليها، تبعث فيها الروح وتقيم خاصرة الزمن كلما رأتـه يأنُّ ضعفاً وشحوباً.
وحدها المرأة فقط، تأبى إلا أن تكون هي هي، تتشكل في تركيبها الأنثوي وجداناً وأحاسيساً وحناناً ورقـة، تشد العزم، وتدفع الهمة، وترفع المعنوية، وتبعث الأمل في القلوب.
وحدها فقط التي لم تنقطع عن وظيفتها، بل وظائفها، وعلى مدار الساعة، دون كلل أو ملل أو ضعف، تشع عنفواناً، وتتفنن نشاطاً، وتبدع في خضم المسؤولية جمالاً أخـاذاً لا يخبو ولا يغيب، وتؤدي رسالتها جاهدة مجاهدة كأنصع وأفضل ما يكون، رغم الجهد المضاعف والعبء الثقيل.
وحدها المرأة في خضم الأزمة هي الأم العطوف التي ترعى صغارها وكبارها ولا فرق، وكأنهم ما زالوا رضعاناً، وهي الزوجة الحنون التي تقطر محبة وابتساماً، فتنسي زوجها هموم الحياة، وهي الأخت التي نتنفسها أنساً، والابنة التي نحضنها رقـة وعذوبة.
وحدها المرأة هي الطبيبة التي تبعث الشفاء بلسماً، والممرضة الملاك التي تضيء الأماكن إشراقاً وتفاؤلاً وأملا.
ووحدها المرأة هي المربية رغم تعاقب السنين، والمدرسة رغم نيل الشهادات، والملهمة رغم خبرات الحياة .
وحدها المرأة ولا سواها التي نراها حين يحيطنا التوهان، ويحتوينا الضياع، فإذا هي تنتشلنا بإشراقتها وابتسامتها، لنبصر منها وخلالها، ونطمئن أننا بخير، وأننا لسنا متعطلون، ولا حياتنا متوقفة، وكيف يكون ذلك ونحن بين أحضانك أيتها الإنسانة العظيمة، تمسحين على رؤوسنا وقلوبنا وضمائرنا لكي نبقى أحياء كما نستحق، فنقفز أكثر عنفواناً، وأصلب عوداً، ونستقبل الحياة مرة أخرى وندور معها وفيها من جديد، تملؤنا الغبطة، وتحيطنا الطمأنينة، منطلقين برغبة ومندفعين بشغف، يحملنا الشوق كل صباح حين تشرق الشمس من محياكِ أيتها المرأة الإنسانة.
أيتها المرأة العظيمة، أنتِ وحدك من جعلت من الأزمة حياة أخرى أكثر جمالاً، وكأننا نراكِ فيها لأول مرة يا نبض الحياة.