طريقة تفكير الإنسان وأفراد المجتمع عمومًا وسلوكهم المتزن من غيره هو ما يحدد معيار التألق والوعي وإشراقة الحضارة والتنمية من عدمها.
في الوقت الذي يقف الشامتون ينتظرون بفارغ الصبر سقوطك المدوي بعد أن غرست في جسدك جراح المتاعب والعراقيل، تأتي المفاجأة مدوية ومن غير سابق توقع، لتراهن على قوة تحملك للصعاب وتحملك مسئولية الخروج من وسط الركام المتساقط على رأسك؛ لتحكي حدثًا قويًا في حبكته وفصوله بكل ما للكلمة من معنى قالبًا المشهد لضفة أخرى مختلفة، فهناك من يبهر الأنظار في كل موقف صعب ترتفع نسب التوقع لسقوطه، و إذا به يرسم معالم شق مشواره نافضًا عنه غبار الأزمة ومتجاوزًا العراقيل بكل ثبات وتصميم على الخروج من قمقم المشكلة، وهو طريق ليس بالسهل – بالطبع – ويكتنفه الكثير من التخطيط والعمل المثابر وتحمل ظهور النتائج بنحو جزئي وفي ممر زمني قد يطول، وبعيدًا عن الأماني الكاذبة والأحلام الوردية يحتاج المرء إلى مقاربة واقعية تتعامل مع الأحداث بكل شفافية ووضوح مع عواملها وآثارها ونتائجها المتوقعة تحت سقف أسوأ الاحتمالات.
اجتاحته عاصفة هوجاء من الأزمات المعضلة التي تنوء بحمل وقعها الجبال، فلم يشغل فكره بما يلقى في سوق التسويق للعوامل من خرافات وسخافات وأكاذيب يحاول من خلالها البعض القفز إلى منصة الشهرة والألمعية الاجتماعية في مواقع التواصل، ولم يعط أي اهتمام لأصحاب النفوس المريضة والضعيفة ممن بدأوا في سرد ما يشفي غليلهم وأحقادهم السوداء، فهاجموه بمختلف التخرصات وإظهار الاستبشار والفرح منتظرين سقوطه، متشبثة آمالهم برؤية غد يختفي من المشهد وجوده القوي.
بل صب اهتمامه وتفكيره على النزول في ساحة المواجهة والتعامل مع الأزمة كعدو لدود يتربص به الدوائر ولا ترحمه الصدف والحظوظ إن وقع تحت أنيابها، فجاءت التوقعات معاكسة وأبرزت انهزام وانحسار موجة الأزمة، التي استنزفت منه جهدًا ووقتًا طويلًا، لكنه عاد عليه بنفع تنمية القدرات وتعلم الدروس ومراكمة الخبرات، بل وأصبحت جهوده درسًا يتعلم منه المثابرون كيفية مواجهة التحديات الصعبة، والتي تحتاج إلى همم عالية تقارع أي خطر محدق يلاقيه وينبئء عن خسارة وشيكة تصيبه في أي وقت.
الخطة المعدة هي ما يفشل أثر الضربة الأولى، التي تمثل مقطعًا مهمًا لتجاوز هول المشكلة وثباته، فيبدأ في البحث عن العوامل الحقيقية الموجدة للمشكلة وترتيبها بحسب الأهمية، ويقود جهودًا حثيثة لسد الثغرات ومعالجة الأخطاء والتعرف على العثرات، ومن ثم يشمر عن سواعد اقتداره بخطى واثقة، وبالتأكيد فإن موجة الأزمة ستنحسر شيئًا فشيئًا مع كل خطوة يخطوها، ويستشعر بالارتياح لإثبات وجوده واقتداره بغض النظر عن نسبة نجاحه وتقدمه، فالأيام كفيلة بتحقيق غاياته بما يتناسب وجهوده بنحو ما.
ففي وقت كاد أن يكون طعمًا لأنياب أزمة متوحشة إن أصيب بالمخاوف والارتباك والرعب من هول النتائج واستسلم لهجمتها، فالأحداث ستمضي بغض النظر عن رغباته بمستواها وحجمها الصعب، فتعامل معها بواقعية بعيدًا عن الإفراط المتمثل بالتهويل وتضخيم المشكلة، والتفريط الذي يعني الاستهانة واستصغار المشكلة واللواذ بالتكاسل والاستهتار، وبعيدًا عن أصوات المهولين والمرجفين له بوحيهم له باستحالة النجاح في مواجهة الشدائد، ولم يوهن قواه ما تعج به العقول الموبوءة بالخرافات والخزعبلات التي تتلقاها العقول السطحية بالمقبولية والجزم بها دونما تمحيص وبحث.
مشوار النجاح والتألق يتكئء على الإرادات القوية والهمم العالية التي تغتنم الوقت للأزمة كفرصة لاختبار طاقاته في ساحة المواجهة، ومن ثم يذهب بعيدًا عن سب الظلام وصب جام غضبه على الحظ، ويتعامل مع الحياة كامتداد زمني تتخلله الخضات الأزماتية.