رجل الأمن هو ابن الوطن والأرض

في حالةٍ من الدهشة، تناولَتْ قلمي لأبدأ من النهاية قبل أن تحتال العاطفة على المسؤولية وأعقد صفقة اللوم العتاب! هكذا يفوزُ رّجالُ الأمن في مواقعهم ومهامهم ومسؤولياتهم، وبوطنيتهم تبهرنا شجاعتهم كفداءً للأرضِ والوطن، وأيّ أرضٍ وأيّ وطنٍ!! إنّها الأمانة الكبرى لحبٍّ كبير، وأنا متيمة بهذا الوطن حتى الجنون! ها قد صان رجل الأمن الأمر والأمن بشتى أصنافه، ولم تعد ابنتي سمر تتوسل رغم أن الخوف والقلق يعتري خلاياها! وها هي تحاول الوصول لبيتها بعد دوام طويل!

هي بداية حياة أخرى، إذ يختزل المرء المسافات التي رسمها وأثث لها الفضاء برحابة صدره وسعته الذي لا يعرف الحدود. احترت في أمري السّاعة كانت تقارب الثانية عشرة مساءً، وابنتي سمر ما زالت ساهِرة ومتأخرة عن بيتها وأسرتها حيث سكنها خارج القطيف، بعد انتهائها من دوامها بمستشفى القطيف المركزي البارحة ليل الثلاثاء، وفي طريقها لبيتها لابدّ وأنّها لوحدها، إذ ليس هناك ما يدلُّ على أصوات أو ضجّة! المسافاتُ تطولُ والوقت يطولُ وكل نقطة تمر عليها لا يتم السماح لها بالعبور!! أرادتْ أن تتحدّث إلى أحد ما لا يهُمُّ مَن، ولم تجدْ غير رجال الأمن ولَم تصادف رجلاً يمكنهُ الإصغاء لها دونهم! كلُّ من صادفتُهم كانوا على كلمة واحدة ممنوع العبور!

كثير من الأفكار راودتني لوقت متأخر؛ هل العنوان دال على مضمون النص الذي أمامنا؟ والقلق له أسبابه وقد يحمل لابنتي أكثر من معنى، وقد يهيمن القلق بدلالاته بذهنها ولأحفر بذهني كأم لصورة واحدة هي “ابنتي حائرة”، وإن عدت لبداية النص حيث ترسمني الهواجس، نعم كل شيء موجع حتى النخاع، نعم، لم أستطع احتمال تلك اللّحظات، والدهشة والارتباك يتعالى في خاطري.

وَضعَتِ الكتاب فوق الطاولة، حين تنبّهت أنّ “سمر” تأخّرتْ بالعودة على غير عادتها! بلهفة محترِقةٍ التقطتْ سمّاعةَ الهاتف، وبنبضِ قلبِ الأمّ المنقبض حامتْ عقاربُ الانتظار! ما حلّ بكِ ابنتي؟ أيُّ أمرٍ حال دون وصولك المبكِّر؟ لكنّ التّساؤلات في عينيي لم أتركْ لها مَجالاً.

ما زال القلق فينا، ويجعل من حواجز الصّمت رادعاً لزمن يحتسي لون القهوة، ويرتشف رائحة السكينة! ولكن النّتيجة لا تتحقّق بسرعة، وما أؤمن بهِ هو أنّنا يجب أن لا نستسلم، بل نتابع حفاظاً على صحتنا، هذا الوقت واجبٌ لكلّ مواطن، ما عليكَ إلاّ أن تأخذ نفسكَ وتُساند أسرتك، فكلّ تحفظ هو تحدٍّ، وكلّ دعم تحدٍّ، وكلّ صدر يحمي بعضنا تَحدٍّ.

نهضت بعد ليلٍ طويل استعدت فيهِ ليلى بأكملهِ، ونظرت من وراءِ الستارة، لأستقبلَ نهاراً آخر، وفنجان قهوتي ملقى هناك وحيداً على الطّاولة وبجواره كتابي، كقلبي الملتحف بالقلق! ألم أقل لكِ أيها القارئ نحن نَنسَى لنتذكر؟ نرسم في حواسنا التفاصيل الصغيرة لمؤَثِّرة فقط، وما يُلامس المشاعر يبقى.


error: المحتوي محمي