حدث فوق احتمال الحُلم

لم يكن بالأمر الإنساني والأخلاقي للخاطفة مريم عندما اتخذت قرارها الخطير بالخطف ولكن! ترى، كيف كان شعور الأم أم موسى حينما علمت أن وليدها المفقود منذ عقدين من الزمن قد عثروا عليه! في حين أن موسى لا يزال في دهشته الأولى لكونه مخطوفا ويعيش دون عائلته، قبل أن نستقصي الشعور المحتمل للوالدة، حاولت جاهدة أن أجد معنى للخطف بلا ضمير، وكل منا يبحث عن تفسير لأشياء من حوله، سواء عن عبث ليقتل فضوله ودون أن نفهم ماذا تعني كلمة «اختطاف»، وكيف أن هذا المصطلح الدقيق والهالك تحول إلى أداة تعذيب وإيلام نفسي على أسرته لعقدين من الزمن. أشهد ويشهدُ الجميعُ أنّ الفرحة والبهجة تفوّقت على سواها، من جميع أطياف المجتمع فيما حدث من أحداث غير عادية أو تقليدية، فكلّ هذه الأحداث الفارقة تحرّرُ الحيرة والدهشة من معتقلها وتُضرم في النفوس وهجَ التناغم بين الجميع دون استثناء.

بعضُ الدهشة تبدو لأوّل وهلة ليس حقيقية، وبعضُه الآخرُ حلم مستبد يحيل تفاصيله إلى خيال, مشاهد الفرح الجماعي ليست مستهلكة، بل تغترفُ من ماء العدالة السماوية التي لا ينكرها أحد. وفي أكثر من موقف لاحظته لا يخرج عن المتعارف الذي يحمل الأمل والتفاؤل بنفوس المجتمع، وميزة هذا الحدث العظيم المحتقن بالدهشة والفرحة أنه خالٍ من المجاملة مستغرقٌ في الفرح الدافئ، كان سحر المفاجآت والتفاصيل العذبة تملأ الجميع، ولكن كان من الصعب التنبؤ به بصدق مشاعر المجتمع، ولا أحد كان مترددا أن يحتفل المجتمع بعودة موسى، الذي أمضى سنين طفولته وصباه وشبابه في ظروف صعبة مختلفة فهو ابن عائلة كبيرة محترمة.

استقبلت القطيف بعد عشرين عامًا العائد موسى وكانت عودته تتطلب صبرا وتصورا رغم حقيقية الحدث. وبداية لكسر حاجز الدهشة لعل موسى علي الخنيزي سيكون قادرا أن ينقل تجربته المريرة إلى المجتمع، وسيرفع صوته ويصرخ بتجربته الاستثنائية، ولعل البعض يدرك أن أولئك العابثين المتجاوزين على القانون أمثال مريم الخاطفة ومن معها لن يفلتوا من العقوبة، حتى تفتح الآذان الصماء، وبمنطق واحد نتفق، على ألا سبيل لأية أسباب سوى أن الحق يرجع ولو بعد حين، وأن العقول لا يمكن أن تحتلها دائماً تلك النفوس الدنيئة، وأن المجتمع لا يزال بدهشته من الحدث، فلا بأس لو تحدثنا وتحاورنا بهذا الشأن، وسبحان الله الذي أعاد موسى إلى أحضان أسرته ومجتمعه، ولكن قد رفعت الأوجاع والهموم، وسمح للقلوب بالفرح والسرور، وعاد الفرع إلى الأصل، وسينال الخاطفون والخارجون عن القانون حقهم من العقاب بما تحكمها عدالة السماء، ولكن متى كان للعدالة شك رغم أنه حدث فوق احتمال الحُلم! وعلينا أن ننحني أمام الحقيقة والواقع وأن نقول شكرًا لحكومتنا الرائدة، لقد أوضحت حقائق كثيرة أولها وأهمها أننا نتمتع بأمن وأمان تحت ظل واهتمام ورعاية الدولة، ولن أزيد!


error: المحتوي محمي